هل سمعتم يوما عن جلسة عرفية انتصرت للحق وأعادت للمظلوم حقه دون مجاملة أو مساومة؟! هل سمعتم عن مجلس تصدره رجال صدقوا الله فعدلوا وتحروا الصدق فأقاموا شرع الله؟!
للأسف… أصبحنا في زمن يُباع فيه العدل على قارعة الطريق وتُشترى فيه “الهيبة” بكام فدان أوكام جلابية أوموديل سيارة 2025.
زمن تصدر فيه الساحة أُناس اغتروا بألقاب العائلة ومناصب الوظيفة وألوان البدلات والجلاليب السوبر وأصواتهم المرتفعة ونسوا أن العدل لا يحتاج إلى “صوت جهور” بل إلى ضمير نقي وعقل فقيه وقلب يخشى الله.
الجلسات العرفية التي وُجدت يوما لحل النزاعات ورد المظالم تحولت اليوم إلى مسرح عبثي يُمارس فيه الابتزاز وتُنسج فيه الخيوط حول عنق المظلوووم حتى يُجبر على التنازل.
من يقود الجلسة؟ قاضٍ عرفي أم “مُشغل مقاولين عدالة”؟
نعم صار القاضي العرفي اليوم مجرد “مدير مكتب علاقات عامة” يستدعي أصحابه للقعدة كل واحد عارف نصيبه و”بيشغلوا بعض”.
واحد يشخط والتاني ينتر والثالث يهدى اللعب والرابع يتوسط والخامس يحسم بـ”رباط مادي” قد يصل لعشرات الآلاف ثم يُقنعون المظلوم أن السكوت حكمة والتنازل رجولة و”أخوك الكبير بيلمّ الموضوع عشان ميتفتحش” وهكذا
فيخرج صاحب الحق منزوع الكرامة مكسور الخاطر وأمواله ذهبت “سبوبة” في جيوب من ادعوا الحكمة وما هم إلا شركاء في الفهلوة والنصبة والجريمة.
هل تذكرون جلسة الصلح الشهيرة في “ميت غمر”؟
شاب قُتل غدرا وأهله طالبوا بالقصاص فجاءت الجلسة العرفية تُعلن أن “العيلة الكبيرة” دفعت فدية وتم الصلح وانتهت القصة.
لكن الأم المكلومة بكت وقالت : “ابني اتقتل واشتروا دمه بفلوس وأنا ماعرفتش آخد حقي لا من جلسة ولا من قانون”.
نعم يا سادة هناك من يرى في دماء الأبرياء تسوية مالية وفي صراخ الأمهات فرصة للمساومة!
جلسة أخرى في “كفر شكر” الفاعل معروف لكن الحق طار
شاب تَعَرّض لمحاولة قتل من أبناء أحد الوجهاء وتم تصوير الحادث لكن الجلسة العرفية خرجت بحُكم : “الاتنين غلطانين”!
وهكذا تم تقسيم الغرامة بين الطرفين ومُنع المجني عليه من التوجه للنيابة بدعوى “كفاية كدا إحنا بنحل في بيت عيلة”.
هل هذا عدل؟!
الشرع لا يُطبق عبر الحناجر بل عبر القلوب الخاشعة والأحكام الشرعية
قال النبي ﷺ: “من وُلِيَ القضاء فقد ذُبِحَ بغير سكين”
وقال: “قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار”
يعني 66% من القُضاة في النار فما بالنا بمن نصبوا أنفسهم قضاة وهم أجهل من أن يُفرقوا بين الظلم والتسامح وبين الصلح والاستهبال
قال الله تعالى: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، الظالمون، الفاسقون”
فأي حكم هذا الذي يتم عبر مؤتمرات عرفية بلا قانون ولا شرع ولا تحقيق؟! وأي رجل هذا الذي يقنع المظلوم أن يتنازل حتى لا “تكبر المشكلة”؟!
هل الجلسات العرفية لعلاج الجراح أم لشرعنة الإجرام ومجاملة السفهاء؟!
يا سادة لقد تحولت هذه الجلسات إلى سوق نخاسة للضمائر تُباع فيها الحقوق وتُشترى فيها المواقف صرنا نعيش عصرا يُقاس فيه العدل بميزان العلاقات ويُوزن فيه الحق بمكيال “ابن مين اللي غلط؟”.
المجالس العرفية اليوم لا تحقن دماء بل تجهض العدالة لا تُرضي المظلوم بل تُجمّل وجه الظالم.
المصيبة الكبرى أن الكثير من هؤلاء المتصدرين لا يفقهون شيئا في فقه الشرع أو أصول الصلح الشرعي ولا يعرفون شروط التحكيم الشرعي ولا يؤمنون إلا بمبدأ: “اللي يدفع أكتر يكسب أكتر!”
كلمة أخيرة من سويداء قلبى
إلى كل من تصدّر مجلسا للصلح إن لم تكن عادلا فتنحَّ إن لم تكن عالما بالشرع فاستفتِ قلبك واسكت إن لم تكن قادرا على إحقاق الحق فلا تكن شريكا في قهر الناس واعلم أن الله سائلك عن كل دم ضاع وكل حق بُتر وكل مظلوم خرج من عندك باكيا
قال رسول الله ﷺ:”أقرب القضاة من النار من قضى وهو جاهل وأبعدهم عنها من قضى وهو عالم عادل”
ياسادة يااحباب لا نريد أن نُبطل قيمة الجلسات العرفية بل نريد إعادتها إلى أصلهاوصوابها : “منبرا للحق لا منصة لتوزيع المصالح” فيا من تم اختيارك لتكون فارسا في مجلس لا تكن تاجرا على موائد الضعفاء.