كتب احمد عسله
في إطار الحراك الدولي المتصاعد لمجابهة تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” والتصدي لخطاب الكراهية ضد المسلمين، شهدت القاهرة انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي حول مكافحة الإسلاموفوبيا، بتنظيم مشترك بين جامعة الدول العربية ومنظمة الإيسيسكو، وبمشاركة نخبة من القيادات الفكرية والدينية وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم.
كان من أبرز المشاركين في الجلسات الحوارية بالمؤتمر، الأستاذ مهاجري زيان، رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، الذي ألقى كلمة علمية مؤثرة تحت عنوان:
“الإسلاموفوبيا في أوروبا: بين استهداف الهوية ومحاولات المقاومة – دور الهيئة الأوروبية ورابطة العالم الإسلامي نموذجًا”
إشادة بالدور المحوري للدكتور محمد العيسى ورابطة العالم الإسلامي
وفي مستهل مداخلته، سلط الأستاذ زيان الضوء على الجهود الريادية التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي بقيادة معالي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، واصفًا إياها بأنها “نموذج حضاري متقدم” في التعامل مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، يجمع بين الاعتدال الشرعي، والانفتاح الثقافي، والخطاب المؤسسي العقلاني.
أشار إلى أن الدكتور العيسى تمكن بمهارة استثنائية من نقل صورة الإسلام الحقيقية إلى مراكز صناعة القرار في الغرب، بدءًا من قبة البرلمان الأوروبي، مرورًا بالأمم المتحدة، ووصولًا إلى أماكن شديدة الرمزية كـ معسكر أوشفيتز النازي، حيث قدّم الإسلام كدين رحمة وسلام، بعيدًا عن التشويه المتعمد والمفاهيم المغلوطة.
من ردود الفعل إلى المبادرات الاستراتيجية
أكد زيان أن الرابطة، ومن خلال رؤية معالي الأمين العام، استطاعت أن تحوّل المواجهة مع الإسلاموفوبيا من ردود أفعال عاطفية إلى مبادرات استراتيجية منهجية، ترتكز على:
تحالفات دولية غير مسبوقة مع قادة الفكر والأديان والمجتمع المدني الغربي.
تقديم خطاب مندمج يحاكي واقع الجاليات المسلمة في أوروبا، ويعزز شعورها بالمواطنة.
العمل على تصحيح الصور النمطية من خلال الإعلام، والتعليم، والتمثيل السياسي المتوازن.
لفت إلى أن هذه الجهود أحدثت أثرًا ملموسًا في سياسات عدد من الدول الأوروبية تجاه المسلمين، وأسهمت في بناء جسور جديدة تقوم على التفاهم لا التخوين، وعلى التعايش لا الصراع.
الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية.. صوت العقل في قلب أوروبا
خلال كلمته، عرض الأستاذ زيان نماذج من البرامج التي تنفذها الهيئة الأوروبية بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، خاصة في مجالات:
تأهيل الأئمة والدعاة الشباب بخطاب وسطي يجمع بين الثوابت الشرعية والتحديات المجتمعية.
دعم الجاليات المسلمة في الملفات القانونية والإعلامية والتعليمية.
مواجهة الكراهية المنظمة بخطاب علمي رصين، ومبادرات ميدانية تعزز وجود المسلم كمواطن لا كضيف.
أكد أن الهيئة باتت تمثّل مظلة مرجعية للعديد من المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا، وتُعد اليوم صوتًا عاقلًا ومؤثرًا في النقاش العام داخل المجتمعات الغربية.
توصيات استراتيجية لتحصين الجاليات المسلمة
واختتم زيان مداخلته بتقديم حزمة من التوصيات العملية التي لاقت ترحيبًا واسعًا من المشاركين، أبرزها:
1. وضع ميثاق استراتيجي موحّد بين المؤسسات الإسلامية في أوروبا والرابطة، يتضمن أدوات فاعلة لمكافحة الإسلاموفوبيا قانونيًا وإعلاميًا ومجتمعيًا.
2. إنشاء مرصد أوروبي دائم لرصد الانتهاكات وخطاب الكراهية ضد المسلمين، بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان.
3. تمكين الشباب المسلم الأوروبي من اقتحام مجالات التأثير كالإعلام والسياسة والتعليم، مع تقديم الدعم والتأهيل الكامل.
4. تطوير الخطاب الدعوي ليتجه نحو الاندماج الواعي والتعايش الإيجابي، بدلًا من الغلق والانفعال.
شدّد زيان على أن الإسلاموفوبيا ليست صراعًا دينيًا بقدر ما هي صراع قيم: بين قوى التعايش وقوى الإقصاء والكراهية، داعيًا المسلمين في أوروبا إلى التحول من موقع رد الفعل إلى قيادة الفعل الحضاري الإيجابي.
تفاعل واسع وإشادة دولية بالمداخلة
لاقت مداخلة الأستاذ مهاجري زيان تفاعلًا خاصًا من الوفود المشاركة، وتداولت عدد من الجهات الرسمية والدولية مقتطفات من كلمته، واعتبرها البعض خارطة طريق جديدة لمواجهة الإسلاموفوبيا بعقلانية وشراكة مؤسسية.
وأشاد مسؤولون من جامعة الدول العربية ومنظمة الإيسيسكو بالرؤية التي طرحتها الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، معتبرين أنها تجسيد عملي لنموذج الإسلام الأوروبي الحضاري القادر على التعايش والاندماج دون تنازل عن الهوية.