في توقيت سياسي شديد الحساسية خرج الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بتصريح فجّ، يحمل في طياته دلالات خطيرة ومآرب غير بريئة، حين اعترف بأن الولايات المتحدة كانت أحد ممولي بناء سد النهضة، معتبرًا أن ذلك تم لـ”منع المياه عن مصر”، قبل أن يُعلن، بوجه لا يخلو من تناقض، استعداده للتوسط في حل الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا.
فهل استيقظ ضمير ترامب فجأة؟! أم أن تصريحاته ليست سوى محاولة جديدة لخلط الأوراق في لحظة إقليمية حرجة، خاصة بعد الموقف المصري الصلب والرافض لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ووقوف القاهرة حجر عثرة أمام مخططات تصفية القضية الفلسطينية؟!
التساؤلات مشروعة، والريبة مشروعة أكثر. فترامب الذي كشف صراحة عن تورط بلاده في تمويل مشروع يمس الأمن القومي المصري، يحاول الآن أن يمنّ على مصر بـ”حل”، لم يحدده، ولم يوضّح مضمونه، لكنه بالتأكيد لن يكون مجانيًا، وهو ما يطرح سؤالًا منطقيًا: ما الثمن الذي يطلبه ترامب مقابل تدخله؟!
هل يريد تمرير صفقات سياسية؟ هل يسعى لإعادة تموضعه في المشهد الإقليمي والدولي عبر استخدام ورقة السد كورقة ضغط؟ أم أنه يُلوّح لمصر بلغة “التهديد الناعم” بأن مفاتيح الحل ما زالت في يد واشنطن؟!
لكن ما يغفله ترامب ومن يسير في فلكه، أن مصر ليست دولة يمكن الضغط عليها أو ابتزازها. مصر دولة ذات سيادة، تعرف كيف تحمي حقوقها، وتدير ملفاتها الإستراتيجية بحكمة وقوة في آنٍ واحد. وما كانت لتقف كل هذه السنوات، تقاوم وحدها مشاريع التحكم في النيل، وتتصدى للدبلوماسية المراوغة، وتضع خطوطًا حمراء واضحة، إلا لأن هناك قيادة سياسية تدرك جيدًا قيمة الوطن، وتحمي أمنه المائي والقومي دون مساومة أو خضوع.
لقد أثبت الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه المسؤولية، أن مصر في أمان الله ثم في أمان قائدها الذي لا يتهاون في حقوق شعبه، ولا يسمح لأي قوة، كانت من تكون، بأن تعبث بمقدرات الأمة أو تهدد مستقبلها. والدليل على ذلك، ما نشهده من مشروعات قومية غير مسبوقة في كل المجالات، بما فيها ملف المياه الذي شهد طفرة في محطات المعالجة والتحلية، والاتجاه للتوسع الزراعي الذكي، في مواجهة كل تحدٍ.
أمن مصر المائي خط أحمر، ولن تُحكم قبضته لا بتصريحات متأخرة ولا بابتزازات مفضوحة. أما من يلعبون بأوراق قديمة ظنًا منهم أن مصر ضعيفة أو قابلة للضغوط، فليعيدوا قراءة تاريخ هذا البلد العظيم، الذي لا يُدار من الخارج، ولا يُركع بالقوة، ولا يُشترى بالمساومات.
بالطبع، إليك رسالة مباشرة إلى الشعب الأمريكي، مكتوبة بأسلوب راقٍ وواضح، تحترم العقل وتضع النقاط فوق الحروف:
رسالة إلى الشعب الأمريكي
نحن في مصر نحترم الشعوب ونُفرّق بين السياسات والمبادئ. نعلم أنكم مثلنا، تبحثون عن العدالة والأمان والكرامة، لكننا نرفض أن تُستغل قضايانا المصيرية في صراعات سياسية أو مزايدات انتخابية.
ما صرّح به رئيسكم دونالد ترامب بشأن سد النهضة ليس فقط إهانة لحقنا المشروع في الحياة، بل هو أيضًا كشفٌ عن دورٍ خفيٍّ لا يليق بدولة كبرى أن تمارسه في الخفاء، ثم تدّعي في العلن أنها راعية للسلام.
نحن لا نطلب من أحد أن يمنّ علينا بالماء، فمياه النيل ليست هبة من أحد، بل هي حق تاريخي وطبيعي، كما أن الحفاظ على أمننا القومي ليس محل مساومة، بل التزام لا رجعة فيه.
نحن شعب يحب السلام، لكنه لا يفرّط في حقه.
نحن نمدّ أيدينا للصداقة، لكننا لا نُخضع رؤوسنا لأي تهديد.
كونوا أنتم صوت الحق في بلادكم، واسألوا قادتكم:
لماذا يمولون بناء سدود في دول أخرى لقطع المياه عن شعب بأكمله؟
ولماذا يربطون “الحل” بمصالح سياسية ضيقة؟
وهل يقبل ضميركم الحر أن يُستخدم الماء – مصدر الحياة – كسلاح؟
نثق أن في أمريكا أصواتًا عاقلة تعرف أن مصر لم ولن تكون طرفًا ضعيفًا في أي معادلة.
نحن نحمي حقنا.. ونعرف جيدًا كيف ندافع عنه، في سلام أو في صلابة.
من القاهرة… من أرض التاريخ والكرامة، نقول لكم:
نحترم شعوب العالم، ونطلب فقط أن تحترمونا كما نحن.
وفي النهاية، ستظل مصر في أمن الله، محروسة بقيادتها وجيشها وشعبها الواعي، عصية على كل مؤامرة، وأقوى من كل تهديد.
مصر باقية.. والسدود تسقط إن لزم الأمر.