كتب احمد عسله
لم تكن منيا القمح على موعدٍ مع صباح عادي هذا الأسبوع بل صباح قاتم امتلات به الدموع المدينة الهادئة التي اعتادت أصوات الطيور وصخب الطلاب في الصباح استيقظت على صرخة أم مفجوعة ودماء طفل لم يُكمل السادسة عشرة من عمره سقط أمام بوابة مدرسته ضحية مشاجرة عابرة مع زملائه تحولت إلى مأساة إنسانية تُدمي القلوب.
تفاصيل الواقعة التي روتها العيون قبل الكلمات بدأت حين تلقى اللواء عمرو رؤوف مدير أمن الشرقية إخطارا من العميد محمد عزب مباشر مأمور مركز منيا القمح بوقوع مشاجرة أمام مدرسة الألفي الثانوية للبنين أسفرت عن مصرع الطالب محمد أسامة محمد، بالصف الأول الثانوي العام متأثرًا بإصاباته.
انتقل على الفور ضباط المباحث بقيادة الرائد احمد شويخ رئيس مباحث المركز حيث كشفت المعاينة أن المجني عليه تشاجر مع أربعة من زملائه عقب خروجهم من المدرسة إثر خلاف بسيط تطور بسرعة غير متوقعة، وسط غياب تام لأي إشراف أو تدخل من الكبار.
مشهد الطلاب المذعورين والدماء على الأرض أمام سور المدرسة وجثة الطفل التي نُقلت إلى المستشفى وسط صرخات زملائه رسمت لوحة حزينة تختصر حالة مجتمع يعاني فقدان السيطرة على أبنائه.
ووفقا للتحريات الأولية فإن الواقعة بدأت بمشادة على “كلمة” أو “دعابة ثقيلة” داخل الفصل لكنها سرعان ما تصاعدت إلى عراك بالأيدي خارج أسوار المدرسة وانتهت بسقوط الضحية فاقد الوعي بعد تلقيه ضربة قوية ليُعلن الأطباء وفاته فور وصوله مستشفى الأحرار التعليمي بالزقازيق.
الأجهزة الأمنية تحركت بسرعة وألقت القبض على الطلاب الأربعة المتورطين وتم تحرير المحضر رقم 38963 جنح منيا القمح لسنة 2025 وبدأت النيابة العامة التحقيق، فأمرت بانتداب الطب الشرعي لتشريح الجثمان لبيان سبب الوفاة والتصريح بالدفن عقب الانتهاء من الإجراءات القانونية مع تكليف المباحث باستكمال التحريات حول خلفيات الواقعة ودوافعها.
لكن خلف أوراق التحقيقات هناك قصة أكبر من مجرد خلاف مدرسي قصة جيلٍ كاملٍ نشأ بلا تربية حقيقية بلا قدوة تُعلمه كيف يختلف دون أن يقتل وكيف يغضب دون أن يعتدي جيلٍ يقضي ساعات طويلة في عالم الهواتف ومواقع التواصل حيث تسود لغة العنف والسخرية والاستهزاء دون أن يجد من يعيد إليه إنسانيته.
في منيا القمح ارتدى زملاء الضحية السواد. معلمون في حالة صدمة ومدير مدرسة يردد بذهول ماكنتش أتخيل إنهم ممكن يعملوا كده ببعض!”
أهالي الطلاب الأربعة الموقوفين يعيشون مأساة موازية فبين ليلة وضحاها تحول أولادهم من تلاميذ إلى متهمين بالقتل.
دموع الأمهات اختلطت بالندم وصوت واحد بات يعلو فوق كل الأصوات
فين التربية؟ وفين الضبط؟ وفين المدارس اللي كانت بتعلّم قبل ما تدرّس؟”
الواقعة لم تكن الأولى لكنها الأخطر لأنها تحدث في سن المراهقة الأولى حيث يُفترض أن يكون الحلم بالمستقبل أقوى من نزوات الغضب.
لكنها تكشف واقعا قاسيا تعيشه مدارسنا اليوم عنف لفظي تنمر إهمال تربوي وتراجع هيبة المعلم.
الخبراء يؤكدون أن ما جرى ليس صدفة بل نتيجة تراكمات طويلة من انفلات القيم وضعف الأسرة وتراجع دور المدرسة.
فالبيت مشغول والمدرسة مرهقة والشارع فقد الأمان والإنترنت صار المربّي الأول فخرج جيل يتعامل مع الحياة كما يتعامل مع “اللعبة الإلكترونية”..
خسرت؟ أعد التشغيل.
غضبت؟ اضرب.
اختلفت؟ اقتل.
اليوم تقف منيا القمح على أطلال فاجعة يتصدرها سؤال موجع هل خسرنا أبناءنا بالفعل؟ وهل صار الموت على أبواب المدارس مشهدا عاديا؟
النيابة تواصل تحقيقاتها والشرطة تتابع لكن الوجع أكبر من ملف قضائي وأعمق من مجرد بيان رسمي.
إنها قصة مجتمع يحتاج إلى صحوة قبل أن نودع مزيدا من الأبناء على أرصفة الغضب والتهور.
رحم الله محمد وأسكنه فسيح جناته ولتكن هذه الفاجعة صفارة إنذار — لا عقوبة قضائية فقط بل مراجعة فورية للبيوت والمدارس والمسؤولين عن تربية أبنائنا قبل أن تُسدل علينا مزيد من الخسائر التي لا يعوضها صراخ ولا دموع ولعل صرخته الأخيرة توقظ فينا ما تبقّى من ضمير. ..








