***قفوا أماكنكم وأصغوا بقلوبكم قبل آذانكم فالكلام عن مصر ليس حروفا تُقال في فراغ بل تاريخ يُتلى من فوق جبيييين الزمن.
تلك التي لم تُولد كغيرها من البلاد بل نزلت من رحم النووور إلى قلب الأرض فأنارتها.
من أراد أن يعرف أصل الحضارة فليبدأ من حيث خُلق المجد من مصر الحبيييبة اى والله العظيييم حبيييبة.
أتعلمون أين وقف أول إنسان فرفع بصره إلى السماء شكرا لله؟
على ضفاف النيل حيث سال الماء ليحيا الناس فكانت أول حياة بعد الطوفان.
وأتعلمون من أين بدأت البركة تسري في الأرض؟
من خطوة إبراهيم عليه السلام وهو يعبر إلى مصر ومن قلبها خرجت هاجر المصرية التي أرسلت ابنها إسماعيل ليُقيم بيت الله في مكة فمن رحم مصر خرجت سلالة النبوّة ومن نسلها جاء سيدنا محمد ﷺ.
وأين عاش سيدنا يوسف الصدّيق؟
في مصر التي حفظت عرضه وكرامته وجعلت من سجنها باب ملكه.
وأين تربّى سيدنا موسى؟
في قصر فرعون مصر ليُعلّم الدنيا أن الرسالات تُولد حتى في قلوب الجبابرة.
وأين ناجى ربَّه؟
على جبل الطور في أرض سيناء المصرية الطاهرة حيث قال الله لموسى: “إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”
– والوادِ المقدس هذا… من أرض مصر.
وحين ضاقت الأرض بالأنبياء لم يجدوا أمنا إلا في مصر التي لجأت إليها مريم وابنها عيسى عليهما السلام في ربوعها عاشا مطمئنين وفي أرضها بارك الله كنيستها ومساجدها
فكانت الوحيدة التي اجتمع على ترابها صوت الأذان وجرس الكنيسة، دون صدام ولا خصام لأنها بلد رسالاتٍ لا بلد طوائف.
اقرأوا التاريخ جيدا
فحين كانت أوروبا تغرق في ظلام الجهل كانت مصر تُضيء بالمحراب والمدرسة والمكتبة
وفي حين كان الملوك في المشرق يعبدون السيوف كانت مصر تكتب القوانين وتُعلّم معنى الدولة والنظام.
من أرضها خرجت الهندسة التي بنت الأهرامات والطب الذي حفظ الجسد قبل أن يُعرف علم التشريح والفلك الذي قرأ حركة النجوم والزراعة التي حولت الصحارى إلى جنان.
بل قل من أرضها خرجت الفكرة الأولى للحياة المنظمة فكانت مصر أول دولة في التاريخ وأقدم حضارة في الدنيا، وأعمق ذاكرة في الوجود.
وفي الإسلام ظلت مصر كما هي منارةٌ لا تغيب.
خرج منها الليث بن سعد الذي كان علما في الفقه والكرم واحتضنت الإمام الشافعي فصار علمه نهرا جاريا في الأزهر وفيها وقف العز بن عبد السلام أمام السلاطين وقال كلمته الشهيرة “إذا رأيتموني على غير الحق فلا تطيعوني.”ومنها خرج صلاح الدين الأيوبي ليحرر القدس تحت رايةٍ انطلقت من القاهرة.
أما الأزهر الشريف فهو أعجوبة في ذاته ألف عامٍ من النور والعلم والتسامح خرّج العلماء ووحّد الأمّة وأبقى لسان القرآن حيّا.
وإذا كان للعالم فجر من الفكر ففجره طلع من القاهرة.
وحين جاء عصر المقاومة والنضال كانت مصر أول من رفع راية التحرر
وأول من صدّ عن الأمة رياح الاستعمار
وأول من وقف في وجه الطغيان الحديث.
منها خرج عرابي يقول: “لقد خلقنا الله أحرارا ولن نُستعبد بعد اليوم.”
ومنها خرج عبدالناصر يهتف باسم العروبة في وجه العالم.
ومنها جاء السادات يُوقّع بيده على ورق السلام بعد أن كتب بالدم نصر أكتوبر.
وحين أراد العالم أن يختبر ثبات الأرض
ثبتت مصر كالجبل لا تهتز ولن تهتز باذن الله ابد الدهر
في ثورتها لم تنكسر وفي فقرها لم تتسوّل
وفي حربها لم تُهزم وفي أمنها لم تنم بل سَهرت كي ينام الجميع.
مصر يا سادة ليست دولة بل ذاكرة الله على الأرض.
فيها النيل الذي يُكتب به القدر وفيها الصحراء التي شهدت على الأنبياء وفيها القلوب التي لا تموت مهما ماتت الأحلام.
مصر هي التي حين تُصاب أمة العرب بالدوار تضع يدها على كتفها فتستقيم وحين تتنازع الدول على وهم المجد تذكّرهم أن المجد بدأ من هنا.
إنها الأم التي علمت العالم الكتابة قبل أن يعرف الورق وعلّمت الإنسانية معنى الخلود قبل أن يُكتب التاريخ وما زالت تعلمهم الصبر والكرامة والقدرة على البقاء.
فاحترموا الأصل واعرفوا الحدّ فمصر لا تُقاس بالحجم بل تُقاس بالقدر ولا تُقارن بالدول بل تُقارن بالعصور إنها التي قال عنها رب العالمين:“اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَا سَأَلْتُمْ”
وقال نبيّ الله يوسف:“ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”
وقال التاريخ: ادخلوا مصر فإنها لا تنكسر.
تحيا مصر أبد الدهر مهد النبوة وموطن الحضارة وسر البقاء.
تحيا مصر التي إذا تكلمت صمت التاريخ إجلالًا.
تحيا مصر التي لا تُذكر إلا وتُقام لها القلوب قياما.








