**لا توجد مهنة في أي مجتمع تعمل تحت ضغط يومي مثل مهنة الصحافة فالصحفي هو أول من يتحرك وآخر من يغادر وهو من يتحمّل غضب الناس وتوتر المسؤول وصعوبة الوصول للمعلومة وخطر النزول للميدان في أوقات كثيرة.
ومع ذلك تظل هذه المهنة السامية برغم مشقتها مهنة شريفة تصمد أمام كل محاولات التقليل أو التشويه.
ولعل ما شهدته قرى الزوامل في مركز بلبيس يقدّم مثالا واضحا على أن الصحافة لا تهرب من مسؤوليتها.
فبمجرد وصول بلاغات متتالية من الأهالي بظهور “تمساح” في مياه الرشاح تحركت الفرق الصحفية بكل المؤسسات وبدأت التغطية المهنية المعتادة المتمثلة فى جمع معلومات تصوير متابعة تواصل مع الجهات المختصة ونقل مخاوف الأهالي.
هذه ليست “هواية” وليست “خروجة” وليست “فُرجة على تمساح”هذه مهنة لها قواعد وتقاليد وضوابط.
تابع المواطنون التغطية لحظة بلحظة وانتظروا مع الصحفيين أي تطور لأن الصحفي كان هو صوت الناس وعينها ووسيلة نقل قلقها للمسؤولين.
لكن ورغم وضوح الجهد وصدق النية وأهمية الحدث بالنسبة للأهالي ظهر من بين المتابعين أصوات اختارت طريقا سهلا ومؤسفا طريق السخرية.
لم يكن الأمر نقدا مهنيا ولا تعليقا موضوعيا بل كان استخفافا بعمل كامل شارك فيه شباب وصحفيين وصحفيات ومصورون قضوا يومهم في الطين والشمس من أجل أن يطمئن المواطن.
والأغرب أن من سخروا ليسوا طرفا في العمل ولا ميدانهم الصحافة ولا يعرفون آلياتها ولا يتحملون مسؤوليتها ولكنهم للأسف تحدثوا وكأنهم أوصياء على “المنطق” أو حراس على “العقل” بينما كل ما فعلوه هو كتابة جملة عابرة لا تساوي جهد ساعة واحدة في الميدان ياترى ايه السبب لاندرى ..
إن من حق أي شخص النقد وأن يُبدي رأيه وأن يختلف لكن ليس من حق أحد أن يسخر من مهنة كاملة أو أن يستخدم كلمات تقلل من شأن العاملين فيها أو أن يختزل تعب الأيام في جملة ضاحكة.
فالصحافة ليست عملا عابرا ولا وظيفة بلا قيمة بل هي جزء من منظومة الدولة تنقل ما يجري وتكشف المشكلات وتسلط الضوء على الأزمات وتوصل صوت المواطن في اللحظة التي يشعر فيها أن لا أحد يسمعه.
ولذلك فإننا نرفض تماما أن تُختزل مهنة بحجم الصحافة في نكتة أو تعليق أو ادعاء “ذكاء” لحظي لا يصمد أمام أول اختبار للمهنية.
ولا بد أن ندرك جميعا أن احترام المهنة لا يعني اتفاقا دائما مع الصحفيين ولكن يعني فقط احترام الجهد احترام الإنسان احترام من يعمل ليصل صوتك أنت قبل أي شيء.
ياسادة والله لسنا في مواجهة مع أحد ولا نبحث عن خصومة ولا نريد جدالا.
لكننا نقول كلمة حق لذا فنحن نرى أن
النقد مقبول والسخرية مرفوضة.
الاختلاف مسموح والإهانة خط أحمر.
والصحافة ستظل موجودة تعمل وتنقل وتوثق أما التعليقات العاجلة فتمضي ولا يبقى إلا العمل الحقيقي.
**نأتى الآن للرد الواجب على كل من تطاول على الصحفيين والإعلاميين بدون سبب منطقى
في لحظات الأزمات تتكشف معادن المهن وتتباين القامات فهناك من يهب إلى الميدان بدافع المسؤولية وهناك من يكتفي بالجلوس على أرصفة العالم الافتراضي يُطلق تعليقا أو نكتة أو سخرية ظنا منه أنه أصبح «مُقيمًا للحقيقة»
وفي الأيام الماضية ومع واقعة ظهور «تمساح» في رشاح الزوامل ببلبيس ظهر هذا الفارق أكثر من أي وقت مضى فبينما كان الصحفيون والإعلاميون يسابقون الوقت يلاحقون البلاغات وينقلون خوف الأهالي ويوثقون كل تطور بلا مبالغة ولا تهويل بل وفق ما يصلهم من بيانات الناس والجهات
خرجت أصوات قررت أن تختصر مهنتنا كلها في «نُكتة» وأن تقلل من قيمة التغطية وأن ترمي على المهنة كلها سهاما باطشة لا تستند إلى علم ولا إلى وعي ولم يكن مستغربا أن يكرر البعض خلفها كمن يردد صدى بلا فهم.
وهنا لا يعد السكوت «حكمة» بل صار السكوت تخليا عن حق أصيل لمهنة لها جذور وتاريخ ولها رجال ونساء حملوا الكاميرا والقلم قبل أن يحمل غيرهم الهاتف والبوست.
الصحافة ياسادة ليست “تماسيح” ولا “تريند” الصحافة مهنة عمرها من عمر الوطن
الذين سخروا من الزملاء لأن التمساح بعد أسبوع من المتابعة خرج أصغر من المتوقع فاتهم أمر بديهي لا يحتاج إلى شهادة عليا وهى أن الصحفي لا يصنع الحدث بل يغطيه.
والصحفي ليس جهة ضبطية قضائية ولا هو فريق صيد ولا يمتلك عصا سحرية تعطيه حجم التمساح مقدما بل ينقل ما يبلغه به المواطن وما تظهره التقارير اللحظية.
هل أخطأ الصحفيون حين تابعوا خوف الأهالي؟ هل كان عليهم أن يقولوا للأهالي “ارجعوا بيتكم إحنا مش فاضيين لكم”؟
هل كانوا سيلامون لو لم يغطوا وحدث مكروه لطفل أو مزارع أو سيدة تعبر الطريق؟
الصحفي هنا لم يكن “صائد تمساح” الصحفي كان صائد معلومة وهذه وظيفته.
ومؤسف بل مؤسف جدا أن يخرج من نحبه ونقدره ليختصر كل الجهد في «قسم تماسيح» و«رشاشيح» وغيرها من التعليقات المقززة المنفرة التى اغضبتنا بالطبع.
يا سادة قبل أن تنتقدوا تعلموا ما تنتقدونه وراعوا شعورنا
ياسادة الصحافة مهنة لا تُمارس في يوم وليلة ولا تنشأ من تعليق ولا تتحول بخفة يد إلى مادة للسخرية هي مهنة تعمل بتكليفات تحريرية غرف أخبار اتصالات رسمية التحقق من البلاغات متابعة المصدر ساعة بساعة الوقوف في الطين وتحت الشمس ووسط الخطر..
فهل كل من سخر كان مستعدا أن يقف مكان الزملاء ليلا تحت البرد والرطوبة؟
هل كان قادرا على حمل الكاميرا والنزول وسط القرى في ساعات متأخرة؟
هل يعرف أصلا كيف تُدار غرفة أخبار؟ هل يعلم أن كل تغطية تبدأ بعد اتصال من مواطن بسيط يقول «الحقونا… في خطر»؟
إذا كانت الإجابة: لا… فالأجدر إذن ألا يتصدروا المشهد إلا بقدر معرفتهم لا بقدر رغبتهم في الظهور.فالاحترام لا يُطلب لكنه يُفترض عند الكلام عن مهنة لها تاريخ
نحن لا نرد هنا دفاعا عن أفراد ولا عن أشخاص بعينهم نحن نرد عن مهنة فالذي يتهكم على الصحفي لا يتهكم بالطبع على شخص بل على أول مَن غطى الحروب وأول مَن كشف الفساد وأول مَن نقل صوت الفقراء وأول مَن وقف أمام الكاميرا من أجل الحقيقة وأول مَن سال عرقه وأحيانا دمه ليقول للمواطن “هذا مارأيته وهذاما حدث”
وهذه مهنة لا يجوز أن يُختصر جهدها في نكتة ولا أن تُهان بلغة لا تليق ولا أن تُناول بتعليقات تبحث عن ضحكة بينما هي في الحقيقة تكشف عن نقص لا علاقة له بالنقد.
نحن لا نهاجم أحدا لكننا نذكّر بما يجب تذكّره
نحن والله لا نريد خصومة ولا نفتح باب خلاف ولا نمارس هجوما مضادا نحن فقط نقول كلمة حق ونعيد الأمور إلى نصابها ونضع النقاط فوق الحروف ونؤكد بان
النقد مقبول الملاحظة مرحّب بها والحوار واجب أما السخرية فهي ليست رأيا بل هروب والتهكم ليس نقدًا بل عجزا عن تقديم نقد
ومن السهل جدا سهل حدّ الابتذال أن يجلس أي شخص على هاتفه ويكتب جملة ساخرة ويحصد التصفيق السريع من تعليقات تُكرر بلا وعي.
لكن الأصعب هو أن تنزل للميدان وأن تعمل، وأن تتعب وأن تتحمل مسؤولية معلومة قد توقظ قرية كاملة أو تطمئنها.
تحية للزميل الذي رد ردا مهذبا وقال “ده شغلهم”
هذا النموذج وحده يكفي لنعرف أن الكرامة المهنية لم تمت وأن وسط الضجيج هناك دائما صوت محترم واعٍ يعرف أن الصحافة مهما اختلفت الأذواق تبقى مهنة لها قدسيتها وضرورتها.
أما أنتم ياأصحاب التعليقات الساخرة
نحن لم نغضب من النقد نحن غضبنا من الاستخفاف لم نضق ذرعا بالاختلاف ضقنا ذرعا بمن ظن أن “التهكم” يعوضه عن نقص المعرفة.
نحن لا نرد إساءة بإساءة لكننا نضع الأمور في حجمها فمن يهاجم الصحافة يهاجم مرآة المجتمع ومن يسخر من الصحفي يسخر من صوت المواطن ومن يستخف بمهنة الحقيقة لا يعرف قيمة الحقيقة.
والأيام ستظل تكشف بان الصحفي في الميدان والساخر خلف الشاشة والفرق بينهما من الأرض للسماء.
**صحيح قد يختلف الناس حول حجم التمساح أوحول طول فترة البحث أو حول جدوى المتابعة اليومية لكن هناك أمرا لا يختلف عليه اثنان أن الصحفي كان في الميدان بينما المنتقد كان في الظل.
من السهل جدا كتابة تعليق ساخر ومن الأسهل ترديد كلمات تنتقص من المهنة لكن من الصعب الوقوف ليلا فوق الرشاح وانتظار ظهور خطر محتمل والالتزام بتكليفات مهنية لا تعرف الراحة.
الصحفي لم يقل إن التمساح “عملاق” ولم يدّعِ أرقاما ولم يخترع قصة بل نقل بلاغات الأهالي كما وصلته وتابعها كما يجب وترك للجهات المختصة مهمة التقييم والفصل.
ولذلك فإن السخرية التي طالت المهنة لا تُعد نقدا بل محاولة لإثبات حضور على حساب من يعملون.
وقد كان الأولى بمن تحدثوا أن يسألوا قبل أن يحكموا وأن يفهموا قبل أن يسخروا.
فالصحافة برغم أي ملاحظات تظل خط الوعي الأول والهجوم عليها لا يجرح الصحفي بل يجرح الوعي العام نفسه…
عتابى هنا ليس غضبا بل هو دعوة للتفكير
هل يجوز الوقوف ضد من ينقل صوت الناس؟ هل يليق الاستهزاء بمهنةٍ حاولت فقط أن تطمئن أهل قرية كاملة؟هل السخرية كانت أسبق إلى قلوبكم من الإنصاف؟
نحن لا نريد خصومة ولا نطلب اعتذارا
نحن فقط نُذكّر بانالكلمة مسؤولية والاحترام لا يقل ثمنا عن الحقيقة
كل حكاية تمساح وحضراتكم بخير.








