“مصر ليست وكيلًا عن الاحتلال.. لماذا تحاول إسرائيل تصدير أزماتها إلى الآخرين؟” بقلم احمد عسله
في تصريح جديد يعكس أسلوب الهروب من المسؤولية، خرج يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، بمقترح غريب يدعو فيه إلى إدارة مصر لقطاع غزة لمدة 8 إلى 10 سنوات مقابل إعفائها من ديونها. هذا التصريح ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو امتداد لمحاولات إسرائيلية وأمريكية متكررة لإلقاء عبء غزة على مصر، والتملص من المسؤولية السياسية والقانونية عن القطاع، في ظل الأوضاع المتفاقمة هناك.
هل هو استفزاز أم استهبال سياسي؟
لا يمكن النظر إلى تصريح لابيد بمعزل عن السياق العام للسياسات الإسرائيلية، التي تعتمد على تصدير الأزمات وإلقاء تبعاتها على الأطراف الإقليمية. فبدلًا من البحث عن حلول جذرية تعيد الحقوق لأصحابها وتحقق السلام العادل، تحاول إسرائيل بكل الطرق تحميل الآخرين مسؤولية تداعيات احتلالها وسياساتها القمعية.
التصريح يحمل في طياته استفزازًا واضحًا لمصر، وكأنه يختبر مدى استعدادها لقبول دور لا يتناسب مع مصالحها القومية. كما أنه يحمل نوعًا من الاستهبال السياسي، حين يفترض أن القاهرة قد تقبل مثل هذا العرض، متجاهلًا تمامًا موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، ورفضها الدائم لأي وصاية على غزة، أو التعامل معها بمعزل عن القضية الفلسطينية ككل.
مصر.. تحديات كبرى ومسؤوليات أعمق
تمر مصر بتحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، ومع ذلك، فإنها تحافظ على استقلالية قرارها وسيادتها في كل الملفات، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فمن غير المنطقي أن تتحمل مصر عبء إدارة قطاع غزة بالكامل، بينما تستمر إسرائيل في فرض الحصار، وتدمير البنية التحتية، وعرقلة أي جهود حقيقية لحل الأزمة.
مصر لم تكن يومًا طرفًا يسعى للوصاية على غزة، بل كانت وستظل داعمًا أساسيًا لحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، ولذلك فإن مثل هذه الطروحات لا تجد أي صدى في السياسة المصرية، التي تنطلق من مبادئ واضحة وثابتة.
استراتيجية إسرائيل.. الهروب من المسؤولية
ليس غريبًا أن تأتي مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت. فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وإسرائيل تحاول بشتى الطرق إيجاد مخرج يُجنبها دفع أي ثمن سياسي أو قانوني. التصريحات الأخيرة تأتي ضمن محاولات مكشوفة لتحويل الأنظار عن الممارسات الإسرائيلية القمعية، وتصوير القضية وكأنها مجرد أزمة إنسانية بحاجة إلى إدارة إقليمية، لا قضية احتلال واستيطان يجب إنهاؤها.
من قبل، حاولت بعض الدوائر الأمريكية والإسرائيلية الترويج لفكرة توسيع دور مصر في غزة، أو ضم القطاع إداريًا إلى مصر، لكنها قوبلت دائمًا برفض قاطع، لأن مثل هذه الطروحات لا تخدم سوى إسرائيل، التي تريد تحرير نفسها من أي التزام سياسي أو أخلاقي تجاه الفلسطينيين.
موقف مصر.. لا وصاية على غزة ولا تفريط في الحقوق
الرد المصري على مثل هذه المقترحات معروف مسبقًا، وهو رفض كامل لأي دور يتجاوز الدعم السياسي والإنساني لغزة. مصر لن تقبل أبدًا أن تصبح مسؤولة عن القطاع نيابة عن إسرائيل، ولن تكون طرفًا في أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو إخراج غزة من معادلة الحل النهائي.
مصر تدعم غزة، وتعمل دائمًا على تحسين الأوضاع الإنسانية فيها، لكنها تفعل ذلك من منطلق قومي وإنساني، وليس كبديل عن المسؤولية الإسرائيلية. الموقف المصري كان ولا يزال واضحًا: الحل العادل للقضية الفلسطينية يتمثل في إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس في تحميل مصر أو غيرها مسؤولية ما صنعه الاحتلال الإسرائيلي بنفسه.
ترهات تتكرر بين الحين والآخر
التصريح الأخير للابيد ليس الأول من نوعه، فقد سبقه العديد من القادة الإسرائيليين والأمريكيين الذين حاولوا الترويج لمثل هذه الأفكار، سواء عبر مقترحات لتوسيع غزة باتجاه سيناء، أو تحميل مصر مسؤولية إدارتها، أو دمجها إداريًا في الدولة المصرية.
كل هذه المحاولات باءت بالفشل، لأنها لا تستند إلى أي منطق سياسي أو قانوني، ولأنها تتناقض مع الثوابت المصرية والعربية. مصر ليست ولن تكون مسؤولة عن حل أزمة غزة نيابة عن إسرائيل، ولن تسمح لأي طرف بتمرير حلول تصفوية للقضية الفلسطينية.
مصر ليست جزءًا من اللعبة
ما قاله يائير لابيد ليس سوى فقاعة سياسية سرعان ما ستنتهي، مثل غيرها من التصريحات العبثية التي لا تغير شيئًا من الواقع. مصر لن تنجر إلى لعبة توزيع الأعباء، ولن تكون طرفًا في أي مخطط يهدف إلى إنقاذ إسرائيل من تبعات احتلالها.
القضية الفلسطينية ليست عبئًا يجب التخلص منه، بل حق يجب إعادته. ومصر ستظل تدعم هذا الحق، وتعمل على تحقيق العدالة للفلسطينيين، بعيدًا عن أي صفقات أو مقايضات لا تخدم سوى المحتل.