رمضان.. حين تصفو الأرواح وتسمو القلوب بقلم احمد عسله
حين يهلُّ هلال رمضان، تتغير ملامح الحياة، كأن الأرض تستعد لاستقبال زائر كريم يحمل بين يديه نفحات الرحمة وأسرار المغفرة. رمضان ليس مجرد أيام تُضاف إلى أعمارنا، بل هو زمن استثنائي، لحظة يختلط فيها الزمان بالمقدس، فينحني القلب خشوعًا، وتهفو الأرواح إلى بارئها.
يكفي أن يُرفع الأذان في رمضان، ليحمل معه نكهة ربانية خاصة، إحساسًا مهيبًا لا يشبه أي وقت آخر. الأذان ذاته، الصوت ذاته، الكلمات ذاتها، لكنها في رمضان تأخذ بعدًا آخر، عمقًا لا يدركه إلا من غسلت روحه أنوار الشهر الكريم. كل شيء يتبدل، حتى الهواء يصبح أكثر نقاءً، والليل يزدان بدعوات الساجدين، والمآذن تسطع بضوء لا يُطفأ.
وحوي يا وحوي.. رمضان جاء، وحمل معه بشائر الخير، وفرصًا لا تعوض، وساعاتٍ تفيض بالسكينة. إنه شهر العتق لمن صدق، وشهر الغفران لمن طرق، وشهر التوبة لمن أراد أن يعود. ليس من عايش رمضان كمن لم يعشه، وليس من ملأ أيامه بالذكر كمن تركها للغفلة.
في هذا الشهر، للقرآن نغمةٌ أعذب، وللصلاة حضورٌ أعمق، وللدمعة حرارةٌ أطهر. دموع تتساقط بين يدي الله، قلوب ترتجف حين يُتلى كلامه، أيدٍ ترتفع إلى السماء في لحظات صدق نادرة. إننا أمام فرصة استثنائية، موسم مفتوح لتصفية القلوب من أدرانها، وإعادة ترتيب الأولويات، واكتشاف المعنى الحقيقي للحياة.
فيا من أدركت رمضان، اغتنم لحظاته، واغسل روحك في نهره العذب، وارفع يديك بالدعاء وأنت موقنٌ بالإجابة. فما أعظم أن يخرج المرء من هذا الشهر وقد تحررت روحه من قيودها، وامتلأ قلبه بنور اليقين، وعاهد الله على بداية جديدة.
اللهم اجعل لنا في رمضان من نفحاته نصيبًا، ومن تجلياته نورًا، ومن مغفرته عتقًا.
وكل عام وأنتم بخير.. رمضانكم عامرٌ بالذكر والخير والبركة.