احنا الجيل اللى اتربى على البساطة.. وعاش أجمل الأيام بقلم احمد عسله
نحن جيل كانت بداية يومنا مع شروق الشمس، نستيقظ على صوت فيروز وهي تغني “يا طير يا طاير على أطراف الدني”, أو أم كلثوم وهي تبشرنا بيوم جديد بـ*”يا صباح الخير يا اللي معانا”*. كنا نعرف أن اليوم بدأ حقًا عندما نسمع صوت محمد قنديل يشدو “يا حلو صبح يا حلو طل”، وكأن الصباح كان له طعم مختلف، يشبه رائحة الخبز الطازج من أفران الحارات القديمة.
نزلنا إلى الشوارع متجهين إلى المدرسة، وصوت الراديو في السيارات يعج ببرنامج “صاحبتك السلامة” مع أغنية “بالسلامة يا حبيبي بالسلامة”، وعندما نسمع “كلمتين وبس” لفؤاد المهندس، كنا نعلم أننا تأخرنا على الطابور المدرسي! تلك الدقائق القليلة التي كان يتحدث فيها المهندس كانت تحمل حكمة وقيمة، تلخص معاني الحياة في أبسط صورة.
نحن جيل كنا ننتظر “سينما الأطفال” يوم الجمعة كأنه عيد، ونجلس أمام التلفاز في لهفة لمشاهدة “جولة الكاميرا” يوم الأحد مع هند أبو السعود. كبرنا على “العلم والإيمان” للدكتور مصطفى محمود، وترك صوته في عقولنا صدى لا يُنسى، علّمنا أن العلم ليس أرقامًا ومعادلات فقط، بل رحلة روحانية داخل النفس والكون.
كبرنا ونحن نصدق دموع ماما نجوى إبراهيم حينما كانت تعاتب بقلظ، ونتأثر بنبرة صوتها وكأنها تتحدث إلى كل واحد فينا شخصيًا. اشترينا كتيبات مسابقة بم بم بأمل أن نفوز، وانبهرنا بفوازير نيللي وشريهان و”ألف ليلة وليلة” التي أخرجها العبقري فهمي عبد الحميد، فكانت الحكايات تأخذنا لعوالم خيالية ممتلئة بالسحر والجمال.
نحن جيل كانت فرحتنا بسيطة، ننتظر حلقة جديدة من “بوجي وطمطم” في رمضان، ونضحك مع “فطوطة” ونستمتع بحكايات “بكار”. كبرنا ونحن نكتب رسائل إلى برنامج “ما يطلبه المستمعون” وننتظر بصبر أن يذكروا أسماءنا.
جيل كبر على قيم غُرست فيه دون تلقين، تعلمنا أن الحب في التفاصيل الصغيرة، وأن الفرحة ليست في الأشياء الغالية، بل في صوت علبة المشروب الغازي وهي تُفتح مع الأصدقاء، وفي أول مرة نجمع فيها مصروفنا لشراء “كيس كاراتيه”، أو انتظار بائع الجريدة لنحصل على مجلتنا المفضلة.
نحن جيل عشنا أيامًا لا تُنسى، أيامًا نقشها الزمن في قلوبنا، وستظل ذكرياتها تعيش معنا مهما تغيرت الحياة. فمن منكم يتذكرها؟ ومن منكم ما زال يشعر بعبق تلك الأيام؟