ملحمة الصقيع.. رجال فوق الثلوج يحرسون الأرض والعرض بقلم احمد عسله
في قلب جبل سانت كاترين حيث يصافح الصقيع القمم وتغطي الثلوج الصخور كأنها كفن أبيض يمتد بلا نهاية يقف رجالٌ من فولاذ لا يهزهم بردٌ ولا ينال منهم تعب في ساعات الليل الطويلة حين تنخفض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وتُثقل الرياح أجسادهم كأنها سهامٌ باردة، لا يشتكون ولا يتراجعون. إنهم حُماة الأرض، درع الوطن وسيفه، المرابطون على تخوم العزة، ليحيا الملايين في دفء وأمان.
ليس سهلاً أن تكون جنديًا فوق جبال سيناء حيث تتجمد الأنفاس في الهواء، ويصبح الليل اختبارًا للصبر والإرادة. لكنه ليس مستحيلاً على أبناء هذا الوطن، الذين لم يعرفوا الهزيمة يومًا. يقفون هناك، في صمت، لا يسمع أحدٌ أنينهم، لأنهم لا يئنّون. لا يرى أحدٌ قسوة البرد في عيونهم، لأنهم لا يشتكون. كل ما يعرفونه أنهم يحملون رسالة، ويدركون أن الأمن لا يُوهب، بل يُحمى بالسهر والتضحية.
عزيمة لا تهزم.. وقلوب تنبض بحب مصر
هؤلاء الرجال الذين تراهم اليوم واقفين بثبات وسط الثلوج، هم نفسهم الذين عبر أجدادهم القناة وحطموا خط بارليف. هم ذاتهم الذين صدّوا الإرهاب في جبال سيناء، والذين أقسموا أن تظل مصر عصية على كل من تسوّل له نفسه المساس بها.
بين صخرة وأخرى خلف جدارٍ من الجليد يسند أحدهم بندقيته ويجول بعينيه في الأفق البعيد. يراقب الطرقات، ويمسح السماء بعينيه بحثًا عن أي خطر. البرد قارس؟ نعم. التعب شديد؟ دون شك. لكن الوطن أثمن، وأقدس، وأغلى.
تحية إلى جنود لا يعرفون المستحيل
نحن في بيوتنا، نلتف بالبطانيات، نحتسي الشاي الساخن، نشاهد نشرات الأخبار في دفء منازلنا، بينما هناك، في قلب سيناء، رجال لا ينامون. هناك من يسهر كي ننام، ويواجه البرد القاتل كي نشعر نحن بالدفء. هؤلاء هم أبطالنا، الذين لا يطلبون مقابلًا، ولا ينتظرون شكورًا، يكفيهم أنهم يعرفون معنى الشرف، ويعيشون التضحية بكل تفاصيلها.
فيا أيها البطل الذي تقف الآن في العراء في قلب العاصفة، فوق قمة الجبل، اعلم أننا نعلم ما تقدمه، وأننا لن ننسى أبدًا أنك جندي في جيشٍ لم ينحنِ يومًا، وأنك عينٌ ساهرة على أمن وطنك. ندعو لك من قلوبنا، أن يحفظك الله، وأن يخفف عنك قسوة البرد، وأن تعود سالمًا إلى أهلك، رافعًا رأسك كما كنت دومًا.تحيا مصر… وتحيا رجالها الأوفياء