لا تزال ظاهرة مافيا الدروس الخصوصية تهدد منظومة التعليم في مصر، حيث يعمل بعض المدرسين على إنجاحها لمصالحهم الشخصية، بينما يسعى آخرون—ممن تقاعسوا عن أداء دورهم الحقيقي—إلى تطفيش الطلاب من المدارس، إما بحثًا عن الراحة، أو للاستمتاع بالجلوس في “الشموسة”، أو كفرصة للمغادرة المبكرة، بل إن بعضهم لا يذهب إلى المدرسة أصلًا!
هذه الممارسات لا تضرب بجذورها في صميم التعليم فقط، بل تؤثر أيضًا على ثقافة مجتمع كان، وما زال، يقدّس العلم والمدرسة كصرح تعليمي وتربوي متكامل. لقد نجحت مافيا الدروس الخصوصية في الترويج لفكرة مغلوطة مفادها أن المدرسة لم تعد ذات جدوى، وأن التعلم يقتصر فقط على الحصول على المعلومة بأي وسيلة، سواء من الإنترنت أو من مراكز الدروس الخصوصية..
دور المدرسة في بناء الإنسان
لكن الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون هي أن المدرسة ليست مجرد مكان لنقل المعلومات، بل هي بيئة متكاملة تسهم في بناء شخصية الطالب عقليًا، وبدنيًا، ونفسيًا، واجتماعيًا. فالعملية التعليمية ليست مجرد معادلات تُحل أو دروس تُحفظ، بل هي منظومة متكاملة تهدف إلى إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
المدرسة هي البيت الثاني للطالب، ففيها يتعلم الانضباط، ويكتسب القيم الأخلاقية والاجتماعية، ويمارس الأنشطة التي تساعده على النمو النفسي السليم. أما الطالب الذي يحصل على المعلومة من الإنترنت أو من درس خصوصي فقط، فيفقد جانبًا مهمًا من العملية التعليمية، وهو التفاعل مع الزملاء والمعلمين، والتدريب على مهارات الحياة الأساسية، وتنمية شخصيته من خلال الأنشطة المدرسية المتنوعة.
وفي المدرسة، هناك الأخصائي النفسي الذي يساعد الطلاب على تجاوز الأزمات النفسية، ويوجههم عند حدوث أي خلل سيكولوجي. وهناك الأخصائي الاجتماعي الذي يُرشدهم إلى السلوكيات الصحيحة، ويغرس فيهم قيم التعاون والاحترام والتسامح. كل هذه العوامل تتكامل لتوفير بيئة تعليمية سليمة ومؤثرة في تشكيل شخصية الطالب.
مسؤولية ولي الأمر.. ودوره في إنقاذ التعليم
لا يمكننا أن نحمل الطالب وحده مسؤولية العزوف عن المدرسة، فولي الأمر شريك أساسي في هذه الأزمة. عندما يسمح الأب أو الأم لأبنائهم بالاعتماد الكامل على الدروس الخصوصية، فإنهم بذلك يحرمونهم من تجربة تعليمية متكاملة. فهل يقبل أي أب أن يكون ابنه مجرد آلة لحفظ المعلومات دون أن يكتسب المهارات الحياتية الأساسية التي توفرها المدرسة؟
يجب أن يدرك أولياء الأمور أن بناء شخصية أبنائهم لا يقتصر على حصولهم على درجات مرتفعة، بل يمتد إلى إعدادهم لمواجهة الحياة، التي تتطلب شخصيات متوازنة، قادرة على التفاعل مع المجتمع، وليس مجرد عقول مكدسة بالمعلومات..
رسالة إلى المعلم.. الضمير أولًا
أما المعلم، الذي اختار مهنة الأنبياء، فعليه مسؤولية كبرى في إعادة الطلاب إلى مدارسهم. من غير المقبول أن ينظر بعض المعلمين إلى الطلاب الحاضرين في المدرسة وكأنهم ارتكبوا خطأ بحضورهم، بينما يكون الاهتمام الأكبر بالطلاب الذين يذهبون إليهم في الدروس الخصوصية!
إلى كل معلم يتخلى عن دوره في المدرسة من أجل درس خصوصي: اتقِ الله في طلابك، فكما تأخذ أجرًا على تعليمهم داخل المدرسة، فمن واجبك أن تقدم لهم ما يستحقونه من علم وتوجيه دون تمييز. واعلم أن الرزق بيد الله، وأن المال الحرام لا بركة فيه، وأن الله سيحاسب كل من أخل بواجبه تجاه الأمانة التي يحملها.
أما المعلم الذي يترك المدرسة ليعطي درسًا خصوصيًا أثناء اليوم الدراسي، فأقول له بكل وضوح: مالك حرام، والحياة مهما طالت قصيرة، فانتظر العقاب من الله طال العمر أم قصر.
رسالة إلى الطلاب.. المدرسة بيتكم الحقيقي
إلى أبنائنا الطلاب: عودوا إلى مدارسكم، واستمتعوا بالعلم في بيئة صحية، استثمرت فيها الدولة مئات المليارات من أجلكم. لا تجعلوا مستقبلكم رهنًا لتجار التعليم الذين يلهثون وراء المال دون أن يهتموا بتربيتكم أو توجيهكم.
المدرسة ليست مجرد مكان، بل هي مصنع العقول، وموطن القيم، وساحة التفاعل الإنساني. حافظوا عليها، واستفيدوا من كل لحظة تقضونها فيها، فبها تبنون مستقبلكم، وتحققون أحلامكم، وتصبحون قادرين على النهوض بمجتمعكم وأمتكم.
حفظ الله أبناءنا، وبارك في كل معلم يتقي الله في عمله، وأعاننا جميعًا على أداء رسالتنا بما يرضي الله ورسوله.