لم يكن إعلان المخرج محمد سامي اعتزاله الإخراج بعد فشل مسلسله الأخير “أش أش” كافيًا لمحو الأثر السلبي الذي تركه هذا العمل على المشاهدين، بل يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول معايير اختيار الأعمال الدرامية التي تُعرض على الشاشات المصرية، ومدى التزامها بالقيم المجتمعية والثقافية.
هل هذا هو الفن الذي نريده؟
شهدت الدراما المصرية في السنوات الأخيرة انحدارًا خطيرًا، حيث أصبحت الكثير من المسلسلات مجرد أدوات لنشر العنف، والبلطجة، والانحلال الأخلاقي، دون أي مضمون هادف أو قيمة تُثري عقل المشاهد. مسلسل “أش أش” ليس سوى نموذج صارخ لهذا التوجه، حيث تجاهل القائمون عليه المسؤولية الاجتماعية للفن، وقدموا محتوى يساهم في تدمير القيم الأسرية والتقاليد المصرية العريقة.
مليارات الجنيهات تُهدر.. والنتيجة؟
في موسم درامي واحد، تم عرض ما يقرب من 40 مسلسلًا بتكلفة إنتاجية بلغت مليارات الجنيهات، ومع ذلك لم نجد بينها سوى القليل الذي يستحق المشاهدة. أين المسلسلات التي تناقش قضايا البطالة، والتعليم، والصحة، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية؟ أين الأعمال التي تُظهر النماذج الإيجابية في المجتمع، وتسهم في بناء وعي حقيقي لدى المشاهدين؟ بدلاً من ذلك، نجد أعمالًا تشجع على العنف، وتُرسّخ صورة مشوهة عن المجتمع المصري وكأنه غابة يحكمها الخارجون عن القانون.
المسؤولية.. على من؟
السؤال الذي يجب أن نطرحه بجدية: من يختار هذه الأعمال؟ ومن يسمح بعرضها؟ وهل هناك رقابة حقيقية على المحتوى الدرامي أم أن المال أصبح هو الحاكم الوحيد في صناعة الفن؟ إذا كان الفن مرآة المجتمع، فمن غير المقبول أن تعكس هذه المرآة صورة مشوهة لا تمت للواقع بصلة، أو أن تكون أداة لنشر الانحلال والتفكك الاجتماعي.
نريد دراما تحترم عقل المشاهد
الفن رسالة، والدراما كانت ولا تزال قوة ناعمة يمكن أن تسهم في بناء المجتمعات أو هدمها. نحن بحاجة إلى أعمال تحترم عقل المشاهد، وتطرح قضايا حقيقية تهم الأسرة المصرية، وتعيد للدراما المصرية مكانتها الرائدة في الوطن العربي. نريد أعمالًا تربي أجيالًا على القيم والمبادئ، وليس مسلسلات تروج للعنف والإسفاف.
على الجهات المعنية بالرقابة على المحتوى الإعلامي أن تتحمل مسؤولياتها، وأن يكون هناك حوار جاد بين صناع الدراما والمجتمع لتحديد أولويات المرحلة القادمة. فاستمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور، وهو ما لا يمكن القبول به.
الدراما ليست مجرد تسلية.. بل أداة تغيير، فإما أن تكون للبناء أو للهدم. فماذا نختار؟