في تصريح صادم ومثير للجدل، خرج المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بادعاءات تشكك في قدرة مصر على الصمود اقتصاديًا، زاعما أن البلاد “مفلسة” وتعاني من بطالة تصل إلى 45%، مما يستدعي مساعدات دولية ضخمة. هذه التصريحات التي لا تستند إلى أي بيانات موثوقة أثارت استياء واسعًا، باعتبارها تدخلًا سافرًا في الشأن المصري ومحاولة مقصودة لتقزيم مصر وتشويه صورتها أمام العالم.
مصر ليست دولة فقيرة، بل دولة غنية بمواردها وثرواتها وشعبها القادر على البناء والتطوير. الادعاءات التي أطلقها ويتكوف تتناقض مع البيانات الرسمية، حيث سجلت البطالة في مصر 6.4% فقط وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهي نسبة تقل كثيرًا عن الرقم الذي ذكره. فهل كان هذا التصريح مجرد زلة لسان، أم أنه جزء من مخطط أوسع لإضعاف الثقة في الاقتصاد المصري؟
التوقيت الذي جاءت فيه هذه التصريحات ليس بريئًا، فمصر تخوض معركة اقتصادية شرسة لإعادة بناء اقتصادها وتعزيز الاستثمار، في ظل أوضاع إقليمية معقدة. في الوقت الذي تحرز فيه مصر تقدمًا ملحوظًا في مشاريع البنية التحتية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات، تظهر مثل هذه الادعاءات لضرب تلك الإنجازات في مهدها.
لا يمكن النظر إلى هذه التصريحات بمعزل عن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، التي غالبًا ما تعتمد على فرض الضغوط الاقتصادية وإثارة القلق بين الشعوب. ومصر ليست استثناءً، فهي الدولة الوحيدة التي لا تزال متماسكة في ظل انهيار العديد من الدول المحيطة. فهل المطلوب أن تنضم مصر إلى قائمة الدول الفاشلة حتى ترضى واشنطن؟
مصر أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها قادرة على الصمود أمام التحديات، بفضل قيادة سياسية واعية وشعب مؤمن بوطنه. وما تحقق من مشروعات قومية وتنموية خلال السنوات الماضية لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تخطيط دقيق وعمل دؤوب. ومن يريد التشكيك في ذلك عليه أن ينظر إلى مشروعات الإسكان، والزراعة، والصناعة، والطاقة، التي جعلت مصر من بين أكثر الدول نموًا في المنطقة.
إن الحرب على مصر لم تتوقف يومًا، ولكنها تأخذ أشكالًا متعددة، تارة بالإرهاب، وتارة أخرى بالحروب النفسية والمعلومات المغلوطة. التصريحات التي أطلقها ويتكوف تندرج ضمن هذه الحروب، حيث تهدف إلى بث الإحباط وزرع الشكوك في قدرة الدولة على الاستمرار. ولكن المصريين تعلموا الدرس جيدًا، وأصبحوا يدركون أن وطنهم مستهدف، وأن عليهم التكاتف لإفشال هذه المخططات.
من المؤسف أن بعض وسائل الإعلام تتلقف مثل هذه التصريحات وتعيد نشرها دون تدقيق، مما يساهم في تضليل الرأي العام. كان الأولى بها أن تتبنى خطابًا وطنيًا مسؤولًا، يرد على الأكاذيب بالمعلومات الحقيقية، بدلًا من الترويج لخطاب يائس يخدم أجندات خارجية.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن مصر تواجه تحديات، لكنها ليست على وشك الانهيار كما يحاول البعض الترويج له. الاقتصاد المصري يمر بمرحلة إصلاح شاملة، تتطلب الصبر والعمل الجاد، وليس جلد الذات والاستسلام للإشاعات المغرضة.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن مصر ليست بحاجة إلى دروس في كيفية إدارة شؤونها من أي مسؤول أجنبي، سواء كان أمريكيًا أو غيره. المصريون وحدهم هم من يقررون مصيرهم، ولن يسمحوا لأي طرف خارجي أن يملي عليهم ما يجب فعله.
رسالتنا إلى ستيف ويتكوف ومن يقف خلفه واضحة: مصر لن تسقط، ولن تركع لأحد. سيادتها ليست محل تفاوض، وشعبها قادر على حماية وطنه ضد أي محاولات للنيل منه، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية.
إن المعركة الحقيقية ليست مع تصريحات جوفاء، بل مع التحديات التي تواجهنا في الداخل. علينا أن نعمل بجد، وأن نؤمن بقدراتنا، وأن نواصل البناء حتى نحقق ما نصبو إليه. فهذا هو الرد العملي على كل من يشكك في مصر أو يحاول التقليل من شأنها.
ستظل مصر كبيرة بشعبها وتاريخها وحضارتها، ولن تهتز أمام أي تصريحات مغرضة. وعلى من يراهن على سقوطها أن يعيد حساباته، لأن مصر لم ولن تكون لقمة سائغة لأحد.