تحقيق احمد عسله
في قلب الصحراء الشرقية، وعلى الحدود الجنوبية لمصر، تمتد محمية جبل علبة كواحة طبيعية تزخر بتنوع بيئي وجيولوجي فريد. هذه المحمية، التي تعد واحدة من أكبر وأغنى المحميات الطبيعية في مصر، تمثل مزيجًا مذهلاً من التضاريس الجبلية، والوديان العميقة، والسواحل البحرية التي تعج بالحياة الفريدة.
محمية جبل علبة.. أرقام تعكس ثراء الطبيعة
تبلغ مساحة محمية جبل علبة 25,600 كم²، ما يجعلها واحدة من أكبر المحميات في العالم، فيما يرتفع جبل علبة ليصل إلى 1,437 مترًا فوق سطح البحر، محتضنًا أكثر من 25% من التنوع النباتي في مصر. المحمية تنفرد بحوالي 125 نوعًا نباتيًا لا يوجد مثيل لها على نطاق الجمهورية، ما يجعلها نموذجًا حيًا للنظام البيئي الصحراوي المتكامل.
حياة برية نادرة.. ووحوش الصحراء الخفية
يقول الدكتور أحمد غلاب، مدير عام محميات البحر الأحمر، إن محمية جبل علبة تضم مجموعة واسعة من الحيوانات البرية والزواحف، منها الغزلان، والكبش الأروى، والتيتل، وقط الرمال، بالإضافة إلى واحد من أكثر الحيوانات المهددة بالانقراض في العالم وهو النمر الإفريقي. كما تحتضن المحمية 40 نوعًا من الزواحف، و23 نوعًا من الثدييات، و173 نوعًا من الطيور، إلى جانب 2,441 نوعًا من اللافقاريات البحرية.
الأنواع المهددة بالانقراض حاضرة بقوة في المحمية، حيث تتواجد 3 أنواع من السلاحف البحرية النادرة، وهي: السلحفاة الخضراء، وجليدية الظهر، وصقرية المنقار. كما تعيش في نطاق المحمية نسور نادرة، وصقور فريدة مثل الصقر الحُر، والحمار البري النوبي، والرخمة المصرية.
غطاء نباتي مميز.. صيدلية الطبيعة المفتوحة
تتميز جبال الصحراء الشرقية بثرائها المعدني، ما ينعكس على التنوع النباتي الفريد. يوضح علي حامد، الباحث البيئي في محمية جبل علبة، أن المحمية تحتوي على عدة أنواع من النباتات الهامة، مثل:
نباتات الأخشاب: السيال، السمر، العشار، والقرض.
نباتات الوقود: التي تستخدم في إنتاج الفحم النباتي.
نباتات الرعي: مثل شجرة الغزال، والمايط، والشوش، والأري، والموكر، والهوك، والجتيا.
نباتات غذائية وطبية: مثل الحجل، وشاي الجبل، وبلح السكر، والصبار، والحنظل الذي يستخرج منه الزيوت العلاجية.
عالم البحار.. أسرار تحت الأمواج
لا تقل البيئة البحرية في محمية جبل علبة روعة عن جبالها ووديانها، إذ تحتضن المحمية 12 جزيرة بحرية، تمثل ملاذًا لتكاثر العديد من الطيور المهاجرة والمقيمة، بالإضافة إلى كونها موطنًا لأنواع بحرية فريدة، مثل:
الدلافين والحيتان البحرية
حيوان عروس البحر النادر
أسماك القرش بأنواعها المختلفة
الشعاب المرجانية، حيث تضم المحمية 123 نوعًا من الشعاب المرجانية الرخوة والصلبة
من أهم الجزر في المحمية: سرناكا، الزبرجد، روكي، مرية، مكوع، حلايب، سيال الكبرى والوسطى والصغرى. وتعتبر جزيرة الزبرجد من أهم أماكن تكاثر السلاحف البحرية، كما تأوي الآلاف من طيور صقر الغروب والخطاف.
غابات المانجروف.. جواهر البحر الأحمر الخضراء
تعد محمية جبل علبة موطنًا لأهم غابات المانجروف في مصر، حيث تنتشر في 10 مناطق رئيسية، وتضم نوعين أساسيين: الأفيسينيا والريزوفورا. تنمو بعض أشجار المانجروف حتى ارتفاع 7 أمتار، لكن متوسط ارتفاعها يصل إلى 3.5 متر.
تعتبر منطقة مرسى شاب الأكثر كثافة، بينما تعاني مانجروف الحميرة وشرم المدفع من تدهور بسبب الأمراض والرعي الجائر للجمال. تلعب هذه الغابات دورًا بيئيًا مهمًا في حماية الشواطئ وتوفير بيئة مثالية لتكاثر العديد من الكائنات البحرية.
كنوز أثرية.. جبل يحكي تاريخ الحضارات
ليست الطبيعة وحدها ما يجعل جبل علبة استثنائيًا، بل أيضًا تاريخه العريق الذي شهد تعاقب العديد من الحضارات. يضم نطاق المحمية مواقع أثرية تعكس الحضارات القديمة، مثل:
رسومات صخرية لما قبل التاريخ، تصور حيوانات منقرضة.
بقايا قلعة رومانية في منطقة أبرق، التي استخدمت كموقع استراتيجي للحماية.
بوابة الماء الفرعونية في أبوسعفة، والتي كانت تُستخدم لتجميع المياه في العصور القديمة.
مناجم الذهب القديمة التي تعكس تاريخ التعدين في المنطقة.
مزار ضريح الشيخ حميد الإسلامي، الذي يمثل جزءًا من التراث الديني للمنطقة.
السياحة البيئية.. كنز غير مستغل
رغم ثراء محمية جبل علبة، إلا أنها ما زالت غير مستغلة بالشكل الأمثل سياحيًا. يمكن أن تتحول إلى واحدة من أهم وجهات السياحة البيئية في مصر، نظرًا لما توفره من فرص رائعة لممارسة:
رحلات السفاري واستكشاف الحياة البرية
الغوص في الشعاب المرجانية الفريدة
مراقبة الطيور النادرة والهجرة الموسمية
التعرف على ثقافات السكان المحليين من قبائل البجا والعبابدة
تظل محمية جبل علبة واحدة من أجمل وأهم المناطق الطبيعية في مصر، حيث تجمع بين الجبال والصحراء والبحار في مشهد فريد. وبينما تزخر المحمية بثروات طبيعية استثنائية، فإنها بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتطوير لحمايتها من التعديات البيئية، وجعلها مقصدًا سياحيًا عالميًا، يليق بجمالها وتاريخها العريق.