مع اقتراب عيد الفطر المبارك تهفو القلوب إلى الفرح وتتهيأ النفوس لاستقبال هذه الأيام السعيدة بروحٍ ملؤها الأمل والسعادة. لكن فرحة العيد لا تكتمل إلا عندما يشعر الجميع بها الفقير قبل الغني المحتاج قبل المقتدر وهنا تتجلى حكمة الإسلام في فرض زكاة الفطر التي تعد جسرا من الرحمة والتكافل بين أفراد المجتمع تُزيل الفوارق وتزرع المحبة وتُطهر القلوب قبل أن تطهر الأموال.
ولزكاة الفطر حكمة ومقاصد فقد شرع الله زكاة الفطر في نهاية شهر رمضان لتكون ختاما للصيام وطهرةً للصائم مما قد يكون شاب صيامه من لغوٍ ورفث فهي ليست مجرد عبادة مالية بل هي تطهير للنفس وتقويمٌ للسلوك إذ تدرب المسلم على البذل والإنفاق وتعزز لديه الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين كما أنها تسهم في تحقيق العدل الاجتماعي فحين يُخرجها الغني يصل خيره إلى الفقير فتزول الضغائن وتحل المودة محل الفوارق المادية…
لقد فرض النبي ﷺ زكاة الفطر على كل مسلم قادر سواء كان ذكرا أم أنثى كبيرا أم صغيرًا حرا أم عبدا بل حتى الجنين في بطن أمه يستحب أن يُخرج عنه وهي بذلك زكاةٌ عن الرءوس لا عن الأموال تخرج عن كل فرد في الأسرة ما دام يملك قوت يوم العيد وليلته.
أما عن مقدارها وأفضل وقت لإخراجها فقد حددها النبي ﷺ بصاعٍ من قوت أهل البلد أي ما يعادل تقريبًا 2.5 إلى 3 كيلوجرامات من الأرز أو التمر أو القمح أو الشعير أو ما يعادله من الطعام الشائع ومع تغير الأحوال أجاز كثير من العلماء إخراجها نقدا إن كان ذلك أنفع للفقراء وأفضل وقت لإخراجها هو قبل صلاة العيد لأن حكمتها الأساسية هي إغناء الفقراء في يوم العيد حتى يفرحوا كما يفرح الأغنياء فلا يبقى بينهم محتاج يشعر بالحرمان في هذا اليوم المبارك.
أما عن الآثار الاجتماعية والروحية لزكاة الفطر فهى تأتى
1. لإسعاد الفقراء والمحتاجين حيث تضمن لهم طعامهم يوم العيد فيشعرون بفرحة العيد مثل غيرهم دون أن يكون هناك فرق بين غني وفقير.
2. تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي فهي صورة من صور الرحمة التي أراد الإسلام أن تكون بين أفراده بحيث يعطف الغني على الفقير ويشعر الجميع أنهم إخوة في الله.
3. تطهير النفس والمال فهي تطهير للصائم من أي تقصير حدث أثناء الصيام كما أنها تطهر المال من الشح وتباركه وتجلب البركة في الرزق.
4. تقوية الروابط المجتمعية فهي تجعل المجتمع أكثر تماسكا حين يشعر الجميع بمسؤوليتهم تجاه بعضهم البعض وهو ما يؤدي إلى مجتمع متحابٍّ ومتعاون.
أما عن الفرق بين زكاة الفطر والصدقة العادية فقد يظن البعض أن زكاة الفطر مثل الصدقة العادية لكن هناك فرقا جوهريا بينهما فزكاة الفطر فريضة واجبة على كل مسلم قادر ولها وقت معين ومقدار محدد أما الصدقة فهي تطوعية يمكن إعطاؤها في أي وقت وبأي مقدار كما أن زكاة الفطر تهدف إلى تحقيق فرحة العيد للفقراء بينما الصدقة تشمل كل أوجه الخير المختلفة.
أنا عن عقوبة تأخيرها وأثر التقاعس عن إخراجها فقد حذر النبي ﷺ من تأخير إخراج زكاة الفطر عن وقتها فقال: “من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” أي أنها تفقد صفة الزكاة وتصبح مجرد صدقة عادية تفوت بها الحكمة التي شُرعت من أجلها فلا يجوز التكاسل في أدائها أوتأجيلها إلى ما بعد العيد لأن ذلك يفوّت على الفقراء فرحة العيد ويجعل المسلم مقصرا في أداء فريضة فرضها الله عليه.
إن زكاة الفطر ليست مجرد مبلغ مالي أو كمية من الطعام تخرج آخر رمضان بل هي وسيلة لنشر الرحمة وإشاعة الفرحة وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع فمن الحكمة أن نحرص على أدائها في وقتها وأن نضع في اعتبارنا مقاصدها السامية التي تجعل العيد يوم سعادة للجميع لا يشعر فيه الفقير بالحاجة ولا يتألم فيه المحتاج من الحرمان. فمن وفقه الله لإخراجها بطيب نفس فقد نال بركتها في دنياه وآخرته، ومن فرط فيها فقد أضاع على نفسه أجرًا عظيمًا.
فلنحرص جميعا على إخراج زكاة الفطر في موعدها حتى تظل مجتمعاتنا عامرة بالخير وحتى يكون عيدنا عيدا حقيقيا لا يعرف فيه المسلمون سوى الفرح والمحبة والتآخي…