احمد عسله يكتب :خان الخليلي يستقبل قادة العالم.. ومصر تُدرّس السياسة من قلب التاريخ
في مشهد تاريخي غير مسبوق اصطحب الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في جولة غير تقليدية في قلب القاهرة وتحديدًا في منطقة خان الخليلي العتيقة هذه الجولة لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية بل كانت رسالة سياسية ودبلوماسية من الطراز الرفيع تبعث بها مصر إلى العالم لتؤكد على أنها دولة مستقرة حضارية قادرة على تأمين مواطنيها والزوار من جميع أنحاء العالم في وقتٍ يشهد فيه العالم حالة من التوترات والصراعات.
خان الخليلي، تلك البقعة التاريخية التي شهدت العديد من الأحداث المهمة في تاريخ مصر الحديث أصبحت اليوم أكثر من مجرد معلم سياحي بل رمزًا من رموز السيادة الوطنية. وفي هذا السياق كانت جولة الرئيسين في هذه المنطقة الضيقة والمزدحمة بالشوارع الضيقة والأزقة القديمة بمثابة اختبار حقيقي لحجم الأمن والاستقرار الذي تنعم به مصر حيث لم يتوقف النشاط في شوارع الحسين وسط ترحيب الشعب المصري بالضيوف.
من خلال هذه الزيارة أراد الرئيس السيسي أن يبعث برسالة واضحة إلى الداخل والخارج مفادها أن مصر آمنة. كانت هذه الرسالة موجهة بشكل أساسي لأولئك الذين يروجون لفكرة أن مصر دولة غير مستقرة. فإذا كانت مصر قادرة على تأمين زيارة رئيس دولة بحجم إيمانويل ماكرون في أكثر المناطق ازدحامًا في القاهرة فهذا يعني ببساطة أن الأمن في مصر أمر لا يمكن التشكيك فيه.
لم تكن الجولة مجرد جولة سياحية بل كانت خطوة استراتيجية لفتح أفق التعاون بين مصر وفرنسا خاصة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية صراعات متزايدة. واللافت هنا أن هذه الزيارة تأتي في وقت حساس على مستوى العلاقات الأوروبية الأمريكية حيث تزداد الهوة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي على خلفية الخلافات بشأن تعريفات التجارة وحرب روسيا وأوكرانيا.
كما أن هذه الزيارة جاءت لتؤكد على تواصل التحالفات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا حيث تسعى فرنسا إلى الحفاظ على علاقاتها القوية مع مصر خاصة في ظل الدعم المصري الثابت للقضايا الدولية التي تهم الاتحاد الأوروبي. وبالطبع كانت زيارة ماكرون إلى القاهرة خطوة مهمة لتعزيز هذه العلاقات في ظل التغيرات المتسارعة في السياسة العالمية.
ولم تكن الزيارة فقط رمزًا للأمن والاستقرار في مصر بل كانت أيضًا رمزًا لقوة الدولة المصرية. إذ تم تأمين زيارة الرئيس الفرنسي بطائرات الرافال الفرنسية وهو رمز لقوة القوات الجوية المصريةالتي تم تعزيزها بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
الأهم من ذلك أن الجولة شملت زيارة المتحف المصري الكبير الذي يعد واحدًا من أعظم المعالم الثقافية في العالم. هذه الزيارة لم تكن مجرد ترويج سياحي بل كانت دعوة صريحة للعالم لإعادة اكتشاف الحضارة المصرية القديمة التي كانت وما زالت تشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية الإنسانية.
إلى جانب المتحف زار الرئيسان الحسين وخان الخليلي حيث استمتع ماكرون بالمشاهد الشعبية اليومية للمصريين في أزقة القاهرة القديمة. وكانت هذه الزيارة بمثابة رسالة للعالم بأن مصر ليست فقط مكانًا تاريخيًا عظيمًا بل هي أيضًا مكان يعبر عن روح الشعب المصري اليومي وحيويته في التعامل مع التحديات.
إن اختيار الرئيس السيسي لهذه الأماكن بعينها كان مدروسا حيث أن هذه المواقع تجسد هويات مصر التاريخية والشعبية على حد سواء. خان الخليلي المكان الذي يعكس ثراء الثقافة المصرية وعمقها ومقهى نجيب محفوظ الذي يحمل اسم الكاتب المصري العظيم الحائز على جائزة نوبل كانا بمثابة تذكير حقيقي للقيم الثقافية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية مصر.
ما كانت هذه الجولة لتكون محض زيارة سياحية بل كانت أكثر من ذلك بكثير. كانت بمثابة رسالة للعالم بأن مصر ليست فقط أرض الأمن والاستقرار، بل هي أيضًا بلد يقدر ثقافته وتاريخه ويعمل على الحفاظ عليهما. كانت هذه هي الرسالة التي أراد الرئيس السيسي أن يبعث بها، وتحديدا في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والاقتصادية على المنطقة العربية.
وفي خضم هذا كله كان الشعب المصري هو العنصر الأبرز في هذه الزيارة. الحشود التي خرجت من كافة الأحياء من خان الخليلي إلى الحسين لتستقبل الرئيس الفرنسي والرئيس المصري كانت بمثابة شهادة حية على قوة العلاقة بين القيادة والشعب. فمصر ليست فقط دولة مؤسسات بل هي أيضًا دولة شعبية تعكس إرادة شعبها في كافة المحافل الدولية.
في النهاية، كان واضحا أن مصر ليست فقط دولة تتعامل مع الأحداث السياسية من زاوية الأمن والاستقرار بل هي أيضًا دولة تحترم تاريخها وتُقدّره وتعلم الأجيال القادمة أن التاريخ ليس مجرد ذكرى بل هو مصدر فخر وقوة يمكن البناء عليه لمستقبل أفضل. كانت جولة الرئيسين في خان الخليلي بمثابة درس سياسي للأجيال القادمة في كيفية استثمار تاريخ الدولة وثقافتها في السياسة الدولية.
وفي رسالة واضحةأكد الرئيس السيسي أن مصر تظل دوماً في قلب التحولات الإقليمية والعالمية. لا تتأثر بالمواقف السياسية المتغيرة بل تظل ثابتة على مبادئها الخاصة في تحقيق الاستقرار والتنمية.
هذا المشهد الرائع لم يكن مجرد زيارة لرئيسين بل كان درسا في كيفية استخدام السياسة والثقافة كأداة من أدوات القوة الناعمة. وهو دليل على أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل مستندة إلى إرثها الثقافي العظيم ومعتمدة على شعبها المتفاني في حب وطنه.
كانت هذه الزيارة بمثابة إعلان للعالم مصر ليست فقط دولة تاريخية بل هي دولة مؤثرة في الحاضر والمستقبل قادرة على التأثير في السياسة الدولية من خلال قوتها الناعمة، ثقافتها، وتاريخها العريق.
والأهم من ذلك أن هذه الزيارة قد أظهرت كيف يمكن للدبلوماسية الثقافية أن تفتح أبوابا جديدة للتعاون بين الدول. فليس كل لقاء دبلوماسي يعتمد على البروتوكولات الرسمية أو الاجتماعات المغلقة بل أحيانًا تكون البساطة والتفاعل المباشر مع الناس هو الذي يعكس الأبعاد الحقيقية للعلاقات بين الدول.
من خلال المشهد الذي جمع بين الرئيس السيسي وماكرون في أزقة خان الخليلي كان لدينا درس في كيفية دمج القوة الناعمة مع الدبلوماسية السياسية وكيف أن العالم اليوم ينظر إلى الدول التي تهتم بهويتها الثقافية ويحترمها بسبب احترامها لثقافتها وتاريخها.
وأخيرا كانت هذه الزيارة بمثابة رسالة للعالم أجمع مفادها أن مصر لا تحتاج إلى حروب أو نزاعات لتثبت قوتها بل تحتاج فقط إلى التأكيد على ثباتها على هويتها الثقافية وعلى قدرة شعبها العظيم في بناء المستقبل.


في