في زيارة استمرت ثلاثة أيام، حملت رسائل سياسية وإنسانية بالغة الدقة اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولته في مصر بتغريدة مؤثرة لاقت تفاعلًا واسعًا، عبّر فيها عن امتنانه العميق للدولة المصرية، وإعجابه بالدور الذي تلعبه على أرض الواقع في دعم أهالي غزة من بوابة العريش.
ماكرون لم يكتفِ بلغة الدبلوماسية بل اختار مفردات إنسانية خالصة حين قال: “حيث يقاوم الأمل الألم”… فماذا حملت الزيارة؟ ولماذا جاءت مختلفة في التوقيت والمضمون؟
لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر مجرد زيارة رسمية عابرة بل جاءت في توقيت بالغ الدقة سياسيًا وإنسانيًا، ورسّخت لعلاقة استراتيجية تتعمق عامًا بعد عام…
الزيارة التي امتدت لثلاثة أيام حملت مزيجًا نادرًا من الرسائل الدبلوماسية والمواقف الأخلاقية، وكان مسك ختامها تغريدة مؤثرة كتبها ماكرون قبل مغادرة القاهرة.
قال ماكرون: “أغادر مصر بعد ثلاثة أيام مؤثرة، رأيت فيها نبض القلوب في ترحيبكم الكريم، في قوة تعاوننا، في الدعم الذي نقدمه معًا لأهالي غزة في العريش حيث يقاوم الأمل الألم. شكرًا لكم. تحيا الصداقة بين شعبين.”
تغريدة قصيرة، لكنها تلخص عمق العلاقة ومغزى الزيارة، وتحمل في طياتها إشادة بالدولة المصرية، شعبًا وقيادة، واعترافًا بدورها الإنساني الفارق في المنطقة.
ماكرون لم يكن بحاجة إلى خطابات طويلة ليعبّر عن تقديره، بل اكتفى بجملة بسيطة لكنها محمّلة بدلالات كبرى: “حيث يقاوم الأمل الألم”.
العريش، تلك المدينة التي تحوّلت في الأشهر الأخيرة إلى رمز للصمود الإنساني، كانت حاضرة بقوة في وجدان ماكرون، وهي التي زارها ليشهد بنفسه حجم الجهد المصري.
حرص الرئيس الفرنسي على أن يكون شاهدًا حيًا على حجم المساعدات الإنسانية والطبية التي تمر من بوابة مصر باتجاه غزة، رغم الحصار، رغم التعقيدات، ورغم محاولات التشويه.
ورغم أن جدول الزيارة كان مزدحمًا باللقاءات والمباحثات، فإن الجانب الإنساني ظلّ في الصدارة، وهذا ما جعله يصف زيارته بأنها “مؤثرة”.
ماكرون لم يكن يتحدث كزعيم يبحث عن مكاسب سياسية، بل كشاهد على حقيقة على الأرض، رأى بأم عينيه كيف تدير مصر أصعب ملف في الشرق الأوسط بعقلانية وضمير.
الملف الفلسطيني كان حاضرًا بقوة، لكن ليس عبر الشعارات، بل من خلال خطط واضحة، تنسيق دقيق، وحرص مصري على وقف نزيف الدم دون الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة.
زيارة ماكرون أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر ليست وحدها من ترى أهمية الحلول السياسية، بل إن أوروبا، أو على الأقل فرنسا، تشاركها هذا المنهج.
الرسالة كانت واضحة: لا حرب خارج حدود مصر، لا توريط للجيش المصري، لا انجرار وراء الاستفزازات. ومن يريد الحل، فليبدأ بالإنصات لمصر.
وهو ما ظهر أيضًا في تصريحات ماكرون عن “الدور المحوري الذي تلعبه مصر في تهدئة الأوضاع وإيصال المساعدات، والحفاظ على توازن المنطقة”.
أما في لقائه مع الرئيس السيسي، فقد بدت اللغة أكثر تناغمًا من أي وقت مضى، والملفات التي نوقشت أظهرت مستوى عميق من التفاهم المشترك.
ملف الطاقة، الأمن، التعاون العسكري، التعليم، مكافحة الإرهاب، ثم ملف غزة – كل ذلك كان حاضراً على الطاولة، لكن بعقلية الشراكة وليس الإملاء.
فرنسا تعلم أن القاهرة تمثل مفتاح الاستقرار، وأن أي مساس بها أو بقدرتها على التحرك، يهدد أمن المتوسط كله.
من هنا جاء حرص ماكرون على توجيه رسالة للعالم بأن “مصر ليست فقط حليفًا، بل صديقًا استراتيجيًا”.
وهو ما أكدته كلماته الصادقة عن “نبض القلوب”، و”تحيا الصداقة بين شعبين”، وهو تعبير نادر في لغة رؤساء الدول.
الزيارة جاءت أيضًا في لحظة حساسة تحاول فيها بعض القوى الإقليمية استغلال أزمة غزة لتشويه دور مصر، لكن ماكرون قال كلمته ومضى: “مصر هي من تقاوم بالأمل”.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى الرسالة التي وجّهها ضمنًا لبعض الأنظمة التي تتاجر بغزة إعلاميًا، بينما لا تقدم شيئًا على الأرض.
ماكرون رأى الفرق بين الشعارات الفارغة والجهد الحقيقي، بين من يرسل طائرات مصورة ومن يفتح ممرات إنسانية على مدار الساعة.
تصريحاته عن العريش كانت بمثابة شهادة دولية لجهود الدولة المصرية في أقسى لحظات الأزمة.
مصر لم تغلق حدودها، ولم تتاجر بالألم، بل تعاملت بعقل الدولة الكبيرة، وهذا ما جعل فرنسا تصفها بأنها “رمانة الميزان”.
ماكرون في زيارته بدا وكأنه يُعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة، بتركيز جديد على مصر كشريك أول.
حتى الإعلام الفرنسي، المعروف بتحفظه، عبّر عن تقديره لموقف مصر، وخصص تقارير واسعة للحديث عن جهودها في غزة.
المقال الأبرز جاء في “لوموند”، التي وصفت مصر بأنها “الجسر الوحيد الذي ما زال يعمل”، في وقت أُغلقت فيه كل الأبواب الأخرى.
زيارة ماكرون يمكن وصفها بأنها “زيارة شهادة”، جاءت لتؤكد أن مصر على الطريق الصحيح رغم الحملة المغرضة من الإعلام الممول.
الرئيس الفرنسي لم يأتِ ليقدّم دروسًا، بل ليقول: نحن معكم، نرى ونفهم، ونقف إلى جانبكم.
حتى خطابه في المؤتمر الصحفي مع الرئيس السيسي، خلا من أي لهجة استعلائية، وهو ما أثار ارتياح المراقبين.
أوروبا، أو على الأقل فرنسا، بدأت تدرك أن زمن الضغوط قد انتهى، وأن الشراكة تبدأ من الاحترام المتبادل.
ومن هنا فإن تغريدة ماكرون لم تكن مجاملة، بل رسالة سياسية وإنسانية وإستراتيجية.
المصطلحات التي استخدمها مثل “نبض القلوب” و”الأمل يقاوم الألم” تعكس روح جديدة في العلاقات الدولية، تقوم على التقدير لا الاستعلاء.
رسالة فرنسا عبر زيارة ماكرون أن مصر ليست فقط بوابة للشرق، بل بوابة للضمير أيضًا.
وأن من يريد حلًا لأزمات المنطقة، عليه أن يبدأ من القاهرة، لا من أنقرة أو طهران.
زيارة العريش بالتحديد كانت اللحظة المفصلية في الزيارة، وكأن ماكرون أراد أن يرى الحقيقة بعينيه، لا عبر تقارير الإعلام.
وقد وجد الحقيقة على الأرض: أطقم طبية مصرية، ممرات إنسانية، شاحنات لا تتوقف، وقلوب لا تنام.
هناك، كما قال، يقاوم الأمل الألم… وهناك فهم أن من يتحدث عن مصر دون أن يراها، لا يعرف شيئًا..
الأهم أن الزيارة أسست لتعاون طويل الأمد، يتجاوز اللحظة الراهنة، ويتجه نحو المستقبل.
ماكرون لم ينسَ أن يشكر العاملين في الميدان، من أطباء، وضباط، ومتطوعين… لأنه رأى فيهم وجه مصر الحقيقي.
وهذا وجه لا تراه الكاميرات، لكنه يظهر بوضوح في الأزمات… في وقت الشدة فقط تُعرف المعادن.
كذلك لم ينسَ أن يضع الزهور على أرواح ضحايا الإرهاب في مصر، ليؤكد أن الحرب على الإرهاب كانت وما زالت معركة مشتركة.
الملف الاقتصادي حاز نصيبًا من النقاشات، خاصة مع سعي فرنسا لدخول مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة.
وهو ما يعني أن العلاقة لم تعد محصورة في السياسة فقط، بل دخلت مرحلة “الشراكة الشاملة”.
في المقابل، تحرص مصر على أن تكون علاقتها بفرنسا متوازنة، مبنية على المصالح لا التبعية.
ومن هنا جاء الترحيب الرسمي والشعبي بماكرون، باعتباره صديقًا لا وصيًا.
زيارة ماكرون ستكون لها آثار طويلة الأمد، لأنها جاءت في توقيت استثنائي، ولأنها كانت صادقة ومباشرة.
لم يُخفِ الرئيس الفرنسي إعجابه بالقيادة المصرية، خاصة في إدارتها لأزمة غزة.
وأعرب أكثر من مرة عن احترامه للرؤية المصرية التي توازن بين الأخلاق والمصالح.
بينما أشاد أيضًا بنجاح مصر في الحفاظ على استقرارها وسط بحر مضطرب من الأزمات.
الرسالة الأقوى في الزيارة أن مصر دولة يُحسب لها حساب، وأن العالم بدأ يعود إليها بعد سنوات من سوء الفهم أو التجاهل.
الرؤية المصرية أثبتت أنها لا تبحث عن الحرب، لكنها لا تتراجع عن دورها أبدًا.
وأن من يريد شريكًا عاقلاً وفعالًا في المنطقة، فليمدّ يده للقاهرة.
زيارة ماكرون جاءت لتقول: في مصر… لا تنطفئ الإنسانية، ولا يُغلق الأمل.
وفي تغريدته الأخيرة، عبّر عن هذه الحقيقة بكلمات لا تُنسى، قالها من القلب للقلب.
قالها وهو يغادر، لكنه ترك صداها باقيًا: “تحيا الصداقة بين شعبين”.
وفي زمن تتآكل فيه القيم، جاءت تغريدة ماكرون لتقول إن السياسة يمكن أن تكون نبيلة، إذا اختلطت بالضمير.
وجاءت الزيارة لتؤكد أن مصر لا تطلب التصفيق، بل أن تُرى كما هي: كبيرة، عاقلة، وعادلة.
وأن صوتها ليس الأعلى، لكنه الأعمق… وأن دورها لا يُصطنع، بل يُحترم.
في لحظة مغادرة، قال الرئيس الفرنسي الكثير، لكن الصدى سيبقى طويلًا في العقول والقلوب.
وهكذا… غادر ماكرون مصر، لكن مصر لم تغادر وجدانه…

