في كل مرة تنهار فيها بناية قديمة على رؤوس قاطنيها، لا نسمع سوى كلمات من نوع: “العقار صدر له قرار إزالة”، “الحي أخطر السكان بالإخلاء”، “نُفذت بعض الإجراءات”، ثم تُطوى الصفحة سريعًا بضحايا جدد وأسر مكلومة، وكأن المشهد بات معتادًا لا يهز الضمائر.
الواقع يقول إنّ المحليات تمتلك آلاف قرارات الإزالة لعقارات آيلة للسقوط، ومع ذلك تظل هذه القرارات حبيسة الأدراج، غير مفعّلة إلا بعد وقوع الكارثة، لتتحول إلى مجرد وثائق تبرئ بها الجهات التنفيذية ساحتها أمام الرأي العام. والحقيقة الصادمة أن كثيرًا من هذه العقارات قد صدر لها أكثر من قرار إزالة أو ترميم، وبعضها صنف “خطير جدًا على الأرواح”، ورغم ذلك تُركت كما هي، تنهار فجأة، لتضيف سطرًا جديدًا في سجل الإهمال الرسمي.
“غياب الردع.. وحضور الفساد”
المشكلة ليست فقط في تقاعس المحليات، بل في منظومة إدارية مترهلة تفتقد آليات الردع الحقيقي. فالإزالات تحتاج إلى تمويل، وإخلاء السكان يستلزم توفير بدائل، وملاك العقارات يساومون أو يتجاهلون، فيما تغض الأجهزة الطرف، بحجة ضعف الإمكانات أو “عدم وجود شكاوى”.
ولا يمكن إنكار أن بعض الموظفين المحليين يتقاعسون عن أداء واجبهم، إما خوفًا من صدامات مع الأهالي، أو لتجنب المسؤولية، أو حتى – في بعض الحالات – مقابل “تسهيلات” تحت الطاولة تتيح استمرار الوضع كما هو عليه.
“الضحية.. مواطن لا حيلة له”
في النهاية، الضحية دائمًا مواطن بسيط، يسكن في عقار متهالك ليس لقلّة حيلته فقط، بل لعدم وجود بديل آمن، أو لثقته – الخاطئة – في أن “الدولة مش هتسيبهم”. لكنه يُترك وحيدًا بين شروخ الجدران، حتى تنهار فوقه.
هل نحن بحاجة إلى مزيد من الضحايا حتى تتحرك المحليات بجدية؟ هل يجب أن تنتظر الإدارات المحلية نشرات الأخبار لتفعل ما كان واجبًا منذ سنوات؟ أم أننا بحاجة إلى تدخل حاسم يعيد هيكلة هذا الملف بالكامل؟
“الحل يبدأ من إرادة حقيقية”
المطلوب ليس فقط تطبيق القانون، بل الإرادة الجادة لتنفيذه، بدعم حكومي مباشر، ورقابة صارمة، ومساءلة حقيقية للمسؤولين عن تعطيل قرارات الإزالة. كما يجب إدماج الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص في إيجاد حلول بديلة للسكان المهددين، بدلًا من تركهم يواجهون الموت بلا حماية.
أرواح الناس ليست أرقامًا في سجلات المحليات، وإنقاذها ليس رفاهية.. بل هو أبسط حقوق المواطنة.
الكاتب الصحفي / عبد العاطي محمد