كتب احمد عسله
في حادث مأساوي هزّ أركان المجتمع الجامعي وأشعل موجة عارمة من التفاعل والحزن عبر منصات التواصل الاجتماعي، تُباشر النيابة العامة تحقيقاتها الموسعة في واقعة وفاة طالبة بكلية العلوم – جامعة الزقازيق، بعد سقوطها من الطابق الخامس بمبنى الكلية في ظروف ما زالت غامضة وتحيط بها علامات استفهام كبرى.
الحادث الذي وقع في وضح النهار داخل الحرم الجامعي، لم يكن مجرد سقوط اعتيادي أو حادث عرضي؛ بل تحوّل خلال ساعات إلى قضية رأي عام، دفعت النيابة العامة إلى التحرك السريع ومباشرة التحقيق من كافة الجوانب، لا سيما في ظل وجود مؤشرات نفسية وشهادات متباينة وتحليلات غير مؤكدة تُحاول فك لغز ما جرى.
بلاغ رسمي وتحرك فوري
تلقت النيابة العامة بلاغًا رسميًا يُفيد بسقوط فتاة من الطابق الخامس داخل أحد مباني كلية العلوم بجامعة الزقازيق، وعلى الفور انتقلت فرق التحقيق إلى موقع الحادث لمباشرة الإجراءات، حيث عاينت مسرح الواقعة بدقة، وناظرت جثمان المتوفاة الذي بدا عليه آثار إصابات واضحة، أبرزها إصابة شديدة في الرأس تُرجّح أن الوفاة كانت نتيجة مباشرة للسقوط من ارتفاع شاهق.
كاميرات المراقبة ترصد لحظة السقوط
بفحص كاميرات المراقبة المثبتة بالمبنى ومحيطه، تبين أن الطالبة صعدت بمفردها إلى الطابق الخامس دون مرافقة أحد، وهو ما أكدته إحدى اللقطات التي سجلت لحظة السقوط المفاجئ، دون ظهور أي تفاعل أو تواجد آخر في محيطها، مما قد يُبعد مبدئيًا فرضية وجود شبهة جنائية، إلا أن النيابة لا تزال تدرس كافة السيناريوهات والاحتمالات، ولم تغلق أي باب حتى اللحظة.
شهادات متباينة ومفاجآت في التحقيقات
التحقيقات شملت الاستماع إلى شهادات عدد من الطلاب المتواجدين وقت الحادث، حيث أفاد أحدهم بأنه شاهد الطالبة تتجه بمفردها إلى أعلى المبنى دون أن يُرافقها أحد، قبل أن يتفاجأ بسقوطها إلى الأرض. وعند صعوده لاحقًا للطابق الخامس، وجد متعلقاتها الشخصية في أحد الأركان، دون أي مؤشر على تواجد أشخاص آخرين معها.
حالة من الذعر والهلع سادت أرجاء الكلية فور سقوط الطالبة، حيث هرع زملاؤها إلى مكان الحادث، في مشهد مأساوي، حاول البعض خلاله تقديم الإسعافات الأولية، بينما اتصل آخرون على وجه السرعة بهيئة الإسعاف.
استجابة سريعة ولكن…
أكدت التحقيقات أن غرفة الطوارئ تلقت ما لا يقل عن 12 بلاغًا خلال دقيقة واحدة فقط من الحادث، ما يعكس هول الموقف وسرعة استجابة شهود الواقعة. وبحسب المصادر الطبية، تحركت أول سيارة إسعاف خلال دقيقة واحدة من تلقي البلاغ، ووصلت إلى مسرح الحادث خلال خمس دقائق، إلا أن الطالبة كانت قد فارقت الحياة بالفعل متأثرة بإصابتها البالغة في الرأس.
خلفية نفسية ورسائل مُبهمة
في تطور لافت، توصلت النيابة إلى أقوال والد الطالبة، الذي أشار إلى أنه تلقى اتصالًا من أحد مسؤولي الكلية يُبلغه بسقوط ابنته، بينما أوضحت والدتها وشقيقتاها أن الطالبة كانت تمر مؤخرًا بحالة من الاضطراب النفسي والخلافات الأسرية، دون الخوض في تفاصيل أكثر.
بفحص هاتف الطالبة، عثرت النيابة على رسائل نصية أرسلتها قبل لحظات من الحادث، تُشير فيها إلى معاناتها من ضغط نفسي شديد، وتُلمّح بشكل مباشر إلى رغبتها في إنهاء حياتها، ما يعزّز – من الناحية النفسية – فرضية الانتحار، دون أن يُغلق ذلك الباب أمام احتمالات أخرى.
تشريح الجثمان وتحريات موسعة
قررت النيابة ندب الطبيب الشرعي لتشريح الجثمان، وبيان الإصابات الباطنة والظاهرة، وتحديد السبب الدقيق للوفاة، وما إذا كانت هناك أية آثار تشير إلى عنف خارجي أو مقاومة. كما طلبت النيابة تحريات الأجهزة الأمنية المختصة حول الواقعة، وطالبت إدارة الجامعة بتوفير كل ما لديها من بيانات ومعلومات حول الطالبة وسجلها النفسي والدراسي والاجتماعي.
النيابة تُحذر من الشائعات وتحترم مشاعر الأسرة
في ختام بيانها، دعت النيابة العامة جميع وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل إلى التحلي بالمسؤولية، وتجنّب نشر الشائعات أو استباق نتائج التحقيق، مؤكدة أن نشر معلومات غير دقيقة حول الحادث قد يُشكل جريمة يُعاقب عليها القانون، ويزيد من معاناة أسرة الفقيدة.
قضية تتجاوز حدود الجامعة
الواقعة لم تعد مجرد حادث جامعي؛ بل تحوّلت إلى مرآة تعكس مشكلات أعمق تتعلق بالصحة النفسية، وضغوط الشباب، وحاجة الجامعات إلى مزيد من الدعم النفسي والتربوي للطلاب، وسط مطالبات واسعة بكشف الحقيقة كاملة، وتقديم رواية موثقة تُنهي الجدل وتُعيد الثقة في بيئة التعليم الجامعي.
وما تزال التحقيقات جارية لاستجلاء كل التفاصيل، احترامًا لحياة فُقدت، ولمشاعر مجتمع يبحث عن الحقيقة في زمن تتداخل فيه الوقائع مع الظنون..