كتب احمد عسله
في إنجاز علمي جديد يعزز مكانة الإعلام كأحد أهم أسلحة المواجهة في معركة مكافحة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة منحت جامعة الزقازيق الزميلة إيمان مهني مدير مكتب اليوم السابع بمحافظة الشرقية درجة الماجستير بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عن دراستها المتميزة التي حملت عنوان:”دور الإعلام الرقمي في مكافحة الفساد وأثره على النمو الاقتصادي.. التجربة الماليزية نموذجًا”.
جاءت هذه الدراسة بمثابة جرس إنذار وجرعة أمل في آنٍ واحد حيث كشفت أن الإعلام الرقمي لم يعد مجرد وسيلة تواصل أو نقل للأخبار بل أصبح في كثير من الدول المتقدمة – ومنها ماليزيا – أداة رقابية متقدمة وفاعلة نجحت في تفكيك بؤر الفساد وكشف التجاوزات وتحفيز عجلة الاقتصاد الوطني.
نخبة أكاديمية وراء البحث
تكوّنت لجنة المناقشة من نخبة متميزة من أساتذة جامعة الزقازيق وجاء تشكيلها كالتالي
د. عبدالله محمد الشناوي – أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة مشرفا رئيسيا ود. أشرف محمد السيد – أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة مناقشا ود. محمد عبدالفتاح عوض – أستاذ الإعلام بكلية الآداب مناقشا ود. أحمد جمعة – مدرس الاقتصاد بكلية الدراسات الآسيوية العليا مشرفًا مشاركا.
تجربة ماليزيا.. دليل عملي على نجاح الإعلام الرقمي
ركزت الباحثة على التجربة الماليزية خلال الفترة من 2003 إلى 2023 باعتبارها نموذجا واقعيا لدولة استطاعت تسخير الإعلام الرقمي في خدمة الشفافية والحكم الرشيد.
أظهرت الدراسة بالأرقام والبيانات أن هناك علاقة مباشرة وقوية بين حرية الإعلام الرقمي وانخفاض معدلات الفساد وهو ما انعكس بشكل واضح في استقرار المؤشرات الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو ثابتة ومتصاعدة.
كما اكدت الدراسة بان هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتيجة تبني ماليزيا لسياسات إعلامية منفتحة وتطوير منصات رقمية تتيح للمواطنين الإبلاغ عن الفساد، مع ضمانات حقيقية لحرية التعبير وحق الحصول على المعلومات.
الإعلام الرقمي.. شريك التنمية
كشفت الدراسة أن الإعلام الرقمي – حينما يكون حرا ومهنيا – يتحول إلى شريك أصيل في معادلة التنمية بل وأحد أعمدتها الأساسية.
أشارت إلى أن التحول الرقمي في الإعلام الماليزي ساهم في رفع ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة ومنحهم أداة ضغط جماهيري لفرض الإصلاحات وكشف التجاوزات وتوسيع مساحة المشاركة المجتمعية في صناعة القرار.
كما سلطت الدراسة الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة ورصد أنماط الفساد، وهو ما بدأت ماليزيا في استخدامه بنجاح في السنوات الأخيرة، ضمن إطار الحوكمة الذكية.
تحليل علمي ومنهجية دقيقة
اعتمدت الباحثة على تحليل كمي ونوعي للبيانات الرسمية باستخدام نماذج إحصائية متقدمة لقياس العلاقة بين مؤشر مدركات الفساد، ومؤشرات حرية الإعلام الرقمي ومعدلات النمو الاقتصادي.
أكدت النتائج أن كل زيادة في حرية تداول المعلومات الرقمية يقابلها تراجع ملموس في مؤشرات الفساد وزيادة في معدلات الاستثمار المحلي والأجنبي.
توصيات قوية..ورسالة للمستقبل
خرجت الدراسة بعدة توصيات قابلة للتطبيق، أبرزها:
دعم الإعلام الرقمي كوسيلة استراتيجية لمكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة.
حماية الصحفيين وتوسيع نطاق حرية الحصول على المعلومات.
تطوير منصات رقمية متخصصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل قضايا الفساد والبلاغات.
تفعيل الشراكة بين وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة الاقتصادية لتحسين مناخ الأعمال.
دراسة التجربة الماليزية بعمق، وتكييف أدواتها بما يتلاءم مع السياق المحلي للدول النامية، ومنها مصر.
نموذج يُحتذى به
وصفت لجنة المناقشة هذه الدراسة بأنها عمل علمي نوعي ومتميز، يتجاوز النطاق الأكاديمي ليقدم حلولًا عملية وواقعية يمكن أن تشكّل أساسًا لبرامج إصلاح وطنية ليس فقط في مصر بل في كافة الدول الطامحة لبناء اقتصاد شفاف ونموذج تنموي رشيد.
إنجاز الزميلة إيمان مهني التي تمزج في عملها اليومي بين الخبرة المهنية والرصانة الأكاديمية يبرهن من جديد على أن الإعلام حين يمتلك الرؤية والإرادة يمكنه أن يكون حجر الزاوية في بناء الأوطان لا مجرد ناقل للأحداث.
الإعلام ليس ترفا.. بل سلاح دولة
أثبتت الدراسة بما لا يدع مجالًا للشك أن الإعلام الرقمي ليس ترفا معرفيا ولا رفاهية تكنولوجية بل هو سلاح حقيقي في يد الدولة الحديثة تستطيع من خلاله تطهير مؤسساتها واستعادة ثقة الناس وتحقيق طفرات اقتصادية حقيقية.
من قاعة المناقشة إلى دوائر القرار
الرسالة التي خرجت من قاعة مناقشة الماجستير بجامعة الزقازيق لا يجب أن تبقى حبيسة الأرفف بل جديرة بأن تُترجم إلى سياسات إعلامية واقتصادية جادة تعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة على أسس من الشفافية والمحاسبة والثقة المتبادلة.
صحفية من قلب الميدان.. تقدم ورقة إصلاح
ما يضفي على الدراسة مصداقية أكبر أنها جاءت من صحفية ميدانية تعرف الواقع جيدا وتُدرك حجم التحديات من قلب الشارع والمكتب والمايكروفون وهو ما جعل رؤيتها متزنة واقعية ومرتبطة باحتياجات المجتمع الفعلية.
دراسات مثل هذه.. تستحق أن تُقرأ وتُطبّق
في زمن الضجيج وسرعة النشر تبرز قيمة مثل هذه الأبحاث التي تغوص في العمق وتنتصر للحقيقة بالأرقام والرؤية فهي ليست فقط إنجازا أكاديميا بل وثيقة عمل تستحق أن تُقرأ في دوائر الحكم وصناعة القرار.
تقدير علمي.. وتقدير وطني
يتبقى أن نقول إن حصول الزميلة إيمان مهني على امتياز مع مرتبة الشرف هو تتويج لمشوار من الجهد والإخلاص لكنه أيضا رسالة مهمة بأن مصر تملك عقولا قادرة على أن تكتب مستقبلا أفضل متى أُتيحت لها الفرصة وأُعطي لها الصوت.
