في أحد أيام الشتاء العاصف على شاطئ الإسكندرية، كانت “ليلى” تسير وحدها، تلاحق خطواتها على الرمال المبللة، تحاول أن تهرب من ضجيج المدينة… ومن ضجيج قلبها أيضًا.
فجأة، اصطدمت قدمها بزجاجة قديمة نصف مدفونة في الرمل. التقطتها بتردد، وبداخلها ورقة مطوية بعناية.
“إلى من تقرأني…
أنا لا أعرف من أنت، لكني أحبك مسبقًا.
أنا يوسف، أكتب من مركب قديم لا يتحرك، لا أملك عنوانًا ولا بلدًا، لكني أملك قلبًا يبحث عنك منذ سنوات.
كل ليلة أرمي رسالة في البحر، على أمل أن تصل إليك واحدة منها.
إن وجدتها… اكتبي لي.”
ارتجفت يد ليلى وهي تقرأ الرسالة للمرة الثانية. هل هي لعبة؟ مزحة؟ أم هل هناك فعلًا رجل يرسل رسائل حب في زجاجات، وسط هذا العالم الرقمي المزدحم؟
في لحظة اندفاع، جلست على رصيف الميناء، وكتبت على ورقة من دفترها:
“إلى يوسف…
وجدت رسالتك. ولا أعلم لماذا خفق قلبي وأنا أقرأها.
أنا ليلى. أعيش على اليابسة، لكني أضيع كل يوم في زوابع الحياة.
اكتب لي من جديد، إن كنت حقيقيًا.”
وضعتها في الزجاجة نفسها، وأعادتها إلى البحر.
مرّت أيام، ثم أسابيع، حتى بدأت المفاجأة…
في كل جمعة، كانت تجد زجاجة جديدة. واحدة تحتوي على قصة عن يوسف، عن والدته التي كان يغني لها في صغره، عن البحر الذي أنقذه من الحزن، عن الحلم الذي كان يراه دومًا: وجه امرأة تجلس على شاطئ تُلوّح له، دون أن يرى ملامحها.
كل رسالة كانت توقظ في قلبها شيئًا نسيته منذ سنين.
وفي يوم مشمس بعد عاصفة طويلة، وجدت زجاجة مختلفة…
ليست بداخلها رسالة، بل خريطة. صغيرة، مرسومة بالقلم الرصاص.
وعليها سهم باتجاه “منارة رأس التين”، مكتوب بجانبها:
“الوقت قد حان… إن كنتِ تؤمنين بالحب.”
ذهبت ليلى هناك، ونبضها يسبق خطواتها.
وعندما وصلت…
كان هناك رجل يقف وحده، يحمل زجاجة فارغة في يده، يحدق في البحر.
استدار فجأة…
وعيناه التقت بعينيها، كأنهما تعرفا على بعض دون مقدمات.
قال بصوت خافت:
– ليلى؟
أجابت كأنها تعرفه منذ دهر:
– يوسف؟
لم يتكلما كثيرًا… لم يكن هناك حاجة للكلام.
فالحب، حين يكون صادقًا… يكتب نفسه في زجاجة، ويصل في الوقت المناسب.