كتب احمد عسله
في مشهد وطني مؤثر يجسد امتداد روح أكتوبر في الأجيال الجديدة التقت السيدة ليلى إبراهيم الرفاعي، كريمة الشهيد الأسطورة العميد إبراهيم الرفاعي، بطلاب مبادرة التحول الرقمي الوطني، في لقاء استثنائي جمع بين عبق التاريخ وروح المستقبل، وبين بطولات الأمس وتقنيات الغد.
لم يكن اللقاء مجرد حكاية من الماضي، بل كان رحلة وجدانية وفكرية أعادت إلى الأذهان ملامح البطولة المصرية الخالدة، وطرحت في الوقت نفسه نموذجًا جديدًا لتوثيق التاريخ الوطني بأدوات العصر الرقمي.
منذ اللحظة الأولى التي وقفت فيها كريمة البطل أمام الطلاب، بدا أن الذاكرة تتحدث بصوتها، وأن روح والدها الشهيد تحل في المكان. تحدثت ليلى الرفاعي بصدقٍ عميقٍ عن والدها، الرجل الذي تحوّل إلى أسطورة في سجل الشرف العسكري المصري، وقائد المجموعة 39 قتال التي كانت ذراع مصر الخفية خلف خطوط العدو.
روت تفاصيل لم يعرفها كثيرون عن تلك المجموعة التي دوّخت جيش الاحتلال، وعن شجاعة رجالٍ قاتلوا ببسالة، وكتبوا بدمائهم فصولًا من أنبل ما شهدته الحروب الحديثة.
وفي حديثها المؤثر، لم تكتفِ بسرد البطولات، بل ربطت بين قيم الجندية المصرية الأصيلة وضرورة نقلها إلى الجيل الجديد بلغة يفهمها — لغة العصر الرقمي. وهنا بزغت فكرة المبادرة التي أطلقتها الإعلامية رضا الكرداوي، مؤسسة مبادرة التحول الرقمي الوطني، وهي فكرة تهدف إلى تمكين الشباب من توظيف التكنولوجيا لخدمة القيم الوطنية والذاكرة التاريخية المصرية.
قالت الكرداوي في كلمتها نريد أن نصنع جسرا بين بطولات الأمس وأدوات اليوم، فالأبطال الذين صنعوا النصر يستحقون أن يُروى مجدهم بألسنة أبنائهم وبإبداع عقول شبابنا.”
وقد تُوّج اللقاء بمبادرة مبدعة حملت بصمة الأجيال الجديدة؛ حيث تعاون الطلاب مع السيدة ليلى الرفاعي في إنتاج فيلم كرتوني قصير يجسد بطولات المجموعة 39 قتال، بأسلوب فني جذاب، يجمع بين الدقة التاريخية وروح الإبداع الرقمي.
استعان الطلاب بتقنيات التحريك والتصميم الجرافيكي والمونتاج الرقمي ليقدموا عملًا متكاملًا يعرض بطولة الرفاعي ورفاقه من خلال رؤية معاصرة تخاطب الوجدان وتصل إلى جمهور الشباب عبر المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
العمل الفني الذي خرج للنور لم يكن مجرد مشروع طلابي بل رسالة وطنية بعيون الجيل الجديد، تؤكد أن التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحًا إيجابيًا إذا وُجّهت لخدمة الوعي الوطني، وأن التحول الرقمي لا يعني الانفصال عن التاريخ بل إحياءه بطريقة جديدة.
ترك الفيلم انطباعًا عميقًا لدى كل من شاهده خاصة أنه جمع بين المعلومة الدقيقة والإحساس الإنساني الصادق، في توازن قلّ أن يجتمع في عمل واحد.
تفاعل الطلاب مع السيدة ليلى الرفاعي كان ملحميًا، إذ تحوّل اللقاء إلى درس حي في الوطنية والانتماء، لا يمكن أن توفره الكتب أو المناهج وحدها.
كانت كلماتها بمثابة رسالة من جيل البطولة إلى جيل المستقبل، مفادها أن مصر لا تنسى أبناءها، وأن دماء الشهداء لا تذهب سُدى، بل تُثمر في وجدان الأجيال الجديدة حبًا ووعيًا وفخرًا بالوطن.
في ختام اللقاء، وجّهت الإعلامية رضا الكرداوي دعوة إلى جميع المؤسسات التعليمية والمجتمعية لتكرار مثل هذه التجارب المؤثرة مؤكدة أن “أبناء الأبطال هم الصوت الأصدق في رواية التاريخ”، وأن دمج القيم الوطنية داخل المنظومة التعليمية أصبح ضرورة وطنية لمواجهة حملات التشكيك والتزييف التي تستهدف وعي الشباب.
كما أكدت أن مبادرة التحول الرقمي الوطني ستواصل فتح آفاق جديدة لتوثيق الملاحم المصرية عبر أدوات الذكاء الاصطناعي والوسائط التفاعلية والأفلام القصيرة، ليكون لكل بطل مصري صفحة رقمية تروي بطولته للعالم بلغات متعددة.
لقد برهنت هذه التجربة الإنسانية والتربوية أن الوطنية لا تُورّث بالشعارات بل تُبنى بالفعل والقدوة والتواصل الحي.
ومن قلب هذا اللقاء خرجت رسالة واضحة
أن التحول الرقمي الحقيقي يبدأ حين يتحول الوعي نفسه — حين يدرك الشباب أن التكنولوجيا ليست فقط وسيلة ترفيه، بل وسيلة لحماية الذاكرة الوطنية من النسيان، وتخليد أسماء الرجال الذين صنعوا لنا الغد.
وهكذا استطاعت ابنة الشهيد إبراهيم الرفاعي أن تجمع بين الماضي والمستقبل في لحظة واحدة، وأن تزرع في عقول طلاب اليوم حب الوطن بلغة يفهمونها ويحبونها.
فقد علمتنا الأبطال أن من يملك الذاكرة يملك المستقبل، وأن مصر، بتاريخها وأبنائها، ستظل دائمًا ولّادة بالبطولة… متجددة بالعطاء شامخة كراية النصر التي رفعها إبراهيم الرفاعي ورفاقه ذات يوم من أيام المجد…