في الوقت الذي تخطف فيه أنوار المتحف المصري الكبير أنظار العالم وتتحول فيه القاهرة إلى عاصمة التاريخ الإنساني الحي خرج من قلب الشرقية كتاب جديد يعلن أن مصر لم تكن فقط مهد الحضارة بل كانت — وستظل — مهد الإنسانية.
الكتاب يحمل عنوانًا استثنائيًا: “لغات الفئات الخاصة الفرعونية”، إعداد وتأليف الدكتور محمد عبدالحميد ناس — رئيس الوحدة المحلية بالزهراء، ونائب رئيس حي ثان الزقازيق سابقًا، والمدير الحالي بمديرية الطب البيطري.
إحياء الإنسان قبل الحروف
من بين صفحات الكتاب تتدفق فكرة غير مألوفة.. فكرة تنبض بالرحمة قبل العلم فالمؤلف لم يكتفِ بأن يكون امتدادًا لرحلته السابقة “فك رموز هرم خوفو”، بل قرر أن يفتح الباب أمام فئة من البشر ظلت صامتة طويلًا.. أولئك الذين لا يسمعون أو لا يرون، مؤكدًا أن الفراعنة سبقوا العالم كله إلى لغات الإشارة والبرايل بآلاف السنين.
من دهشة النقش إلى عبقرية الفكرة
يروي د. ناس أن الفكرة انطلقت من تأملٍ بسيط لكنه عميق، حين أدرك أن النقوش الفرعونية لم تكن مجرد رموز جامدة على جدران المعابد، بل كانت لغة حيّة تتعامل مع الحواس كلها في آن واحد؛ تسمع بالبصر، وتُرى باللمس، وتُفهم بالقلب ومن هنا أدرك أن المصري القديم كان أول من وضع أساس “الدمج الإنساني” في التاريخ، حين رفض أن يُقصي أحدًا من دوائر التواصل أو المعرفة.
لغات جديدة من رحم التاريخ
في كتابه الجديد، يقدم د. محمد عبدالحميد ناس تصورًا علميًا ولغويًا دقيقًا لابتكار لغتين إنسانيتين جديدتين مستوحيتين من روح الحضارة المصرية القديمة:
1️⃣ لغة الإشارة الفرعونية العالمية للصم.
2️⃣ لغة البروز الفرعونية للمكفوفين.
والهدف كما يوضح المؤلف ليس مجرد التوثيق أو الدراسة، بل بناء جسر جديد للتواصل بين كل فئات المجتمع محليًا ودوليًا، وإتاحة الفرصة أمام ذوي الهمم للمشاركة في الحياة العامة بروحٍ متساوية وقدرةٍ على الإبداع والعطاء.
من الأهرام إلى الإنسان
ينقلنا الكتاب من فكرة الحجارة إلى فكرة الإنسان، من عبقرية البناء إلى عبقرية الفكر، ليقول للعالم إن سرّ الفراعنة لم يكن في أحجارهم فحسب، بل في عقولهم التي آمنت بالإنسان كقيمة مطلقة.
ويُعيد د. ناس التأكيد أن الحضارة المصرية لم تُبنَ على الملوك فقط، بل على الإيمان بأن كل إنسان — مهما كان ضعفه — يملك موهبة تستحق أن تُسمع وتُرى.
تزامن مقصود أم قدر حضاري؟
تزامن صدور الكتاب مع افتتاح المتحف المصري الكبير ليس صدفة عابرة، بل رسالة من الزمن نفسه فبينما تُفتح أبواب المتحف لتعرض تماثيل الملوك والفراعنة، يفتح هذا الكتاب نافذة جديدة تعرض إنسانية الفراعنة ذاتها.
مشهدان متوازيان يوحيان بأن التاريخ لا يزال حيًا
من العاصمة تُروى حكاية الحجارة
ومن الشرقية تُروى حكاية الإنسان.
رسالة من مصر إلى العالم
الكتاب لا يكتفي بأن يكون عملًا أكاديميًا أو بحثًا متخصصًا، بل يتحول إلى وثيقة إنسانية تعلن أن مصر لا تزال قادرة على تقديم فكر جديد ينبض بالحياة ويُعيد تعريف معنى “الإنسانية”.
ومن بين أضواء المتحف المصري الكبير، تخرج من الشرقية رسالة صافية تقول للعالم كله من هنا تكلم الإنسان أول مرة… ومن هنا سيُسمع صوته من جديد.”








