قفوا بخشوع واخلعوا نعال الكلمات على عتبة التاريخ فهنا أرض لا تُكتب عنها الأسطر بل تُسجد لها الحروف.
هنا مصر الاسم الذي لا يُنطق إلا ويهتز له وجدان الوجود.
فإذا كانت الأوطان تُقاس بمساحتها فمصر تُقاس بقداستها وإذا كانت الأمم تُعرف بتاريخها فمصر هي التي صنعت التاريخ.
من هنا بدأت الحكاية
قبل أن يُكتب أول سطر على وجه الأرض
كانت مصر تسكن قلب الخليقة وحين جفّت الصحارى حولها جرى النيل في عروقها ليهبها الحياة فصارت أول من عرف معنى الزرع والماء والنظام.
في أرضها وضع الله أول بركة وحين مرّ الخليل إبراهيم عليه السلام بها باركها الله بهاجر المصرية التي حملت في رحمها النبوّة فأنجبت إسماعيل، ومن نسله جاء محمد ﷺ.
فلتعلم الدنيا أن أول رحم نبَتت فيه سلالة الأنبياء رحم مصرية.
أرض الأنبياء وممر الرسالات
من شوارعها مر يوسف عليه السلام وفي قصورها تربّى موسى عليه السلام وفي جبل الطور كلّمه الله من أرضها المقدسة وفي ربوعها لجأت مريم وابنها عيسى عليهما السلام فكان فيها الأمن والطمأنينة والستر.
قال الله تعالى: “اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ”
وقال يوسف عليه السلام:“ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”.
ومن يومها لم تعرف مصر إلا أن تكون ملجأً للأنبياء ومأمنا للأطهار وموطنا للبركة.
مصر التي علمت الدنيا النور
حين كانت أوروبا ترعى أغنامها في الظلام
كانت مصر تبني الأهرامات وتكتب على جدرانها لغز الخلود.
منها خرجت الهندسة التي بنت حضارة لا تُصدق والطب الذي داوى الجسد قبل أن يُعرف التشريح والفلك الذي قرأ لغة السماء
والزراعة التي حولت الصحارى إلى جنة خضراء.
منها خرج أول قانون وأول إدارة وأول جيش وأول فكرة دولة.
هي التي جعلت من الحجر فكرا ومن النيل حياة ومن التاريخ ذاكرة أبدية.
في قلب الأديان وسجادة الإيمان
ما من أرض جمعت على ترابها الأنبياء كما جمعتهم مصر وما من وطن تردد فيه الأذان إلى جوار أجراس الكنائس دون أن تتصارع الأرواح.
هنا صارت الكنيسة بيتا والمسجد بيتا وهنا صاغ الأزهر الشريف روح الإسلام الوسطى التي أضاءت للعالم طريق العلم والعقل.
منها خرج الليث بن سعد والشافعي تربى في ربوعها وفيها قال العز بن عبد السلام كلمته التي دوّت في وجه السلاطين:“إذا رأيتموني على غير الحق فلا تطيعوني”.
وفيها وقف صلاح الدين الأيوبي يحرر القدس تحت رايةٍ انطلقت من القاهرة.
مصر حين تتكلم القوة
في كل عصرٍ تظن الدنيا أن مصر تعبت تستيقظ كأنها القيامة على عدوها.
في فجر التاريخ قاومت الغزاة وفي صدر الإسلام حملت راية الدين وفي العصور الحديثة كسرت شوكة الاستعمار وأعلنت للعالم أن الكرامة لا تُشترى.
من أرضها خرج عرابي يهتف: “لقد خلقنا الله أحرارا ولن نُستعبد بعد اليوم.”
ومنها خرج عبدالناصر يحمل همّ العروبة وصوت الأمة ومنها جاء السادات ليكتب بيده نصر أكتوبر ويوقع سلام الأقوياء.
مصر عقل الأمة وقلبها
هي التي تحملت ما لم تتحمله دولة في التاريخ تحاربت ثم قامت جاعت ثم شبعت غيرها حوصرت ثم فتحت أبوابها لللاجئين.
ضربها الإرهاب فطهرت أرضها بالدم والرجال لم تخن جارا ولم تطعن حليفا
ولم ترفع علما على حساب آخر بل ظلت القلب النابض للعروبة والإسلام والميزان الذي إذا اختل اختلّت الأمة.
مصر الحديثة التي تعيد بناء التاريخ
واليوم حين تنظر إلى مصر الحديثة ترى دولة تُبنى من جديد تشق الصحراء بمدنٍ جديدة وتصل التاريخ بالمستقبل على جسر من العمل.
المتحف المصري الكبير يفتح أبواب الذاكرة للعالم والعاصمة الإدارية تكتب فصلا جديدا من النظام والانضباط ومشروعات الطاقة والطرق والزراعة والموانئ تجعل من مصر قلبا اقتصاديا ينبض في الشرق والغرب معا.
لم تعد مصر تتحدث عن مجدها القديم بل تصنع مجدها الحديث أمام العيون.
مصر في الوجدان الإنساني
فيها القوة وفيها الحنان فيها الحضارة والعقيدة وفيها صوت أم يقول للعالم كل يوم “مازلت هنا.”
حين تضعف الأمم تلجأ إلى مصر وحين تختلف الجغرافيا تبقى مصر ثابتة في مكانها تُطعم العالم من خيراتها وتُعلم الناس معنى الصبر.
هي التي قال عنها المؤرخون:“من أراد أن يعرف معنى البقاء فليقرأ في سطور مصر.”
مصر لا تُروى بل تُقدَّس
في كل ذرة تراب فيها قصة وفي كل موجة من نيلها حكاية وفي كل قلب مصري شرفٌ لا يُشترى هي ليست دولة من دول الأرض بل أمها قلبها روحها التي لا تموت.
قالوا عنها إنها هبة النيل لكن الحقيقة أنها هبة الله للعالم كله.
تحيا مصر
تحيا كما أرادها الله آمنةً مطمئنة شامخةً إلى قيام الساعة تحيا مصر التي إذا تكلمت صمت التاريخ إجلالا تحيا مصر حين يتكلم الخلود.








