يروم هذا المقال التحفيزى إلى توجيه الأنظار إلى نمط من أنماط التربية قد يكون غائبا عن المشهد التربوى. فلا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة إن الذوق حركة دينامية قابلة للتأثير والتأثر قوامها عشق الجمال ولفظ القبيح . وقد يتوهم البعض منا أن الذوق مسألة فطرية لا يحتاج إلى رعاية أو تربية أو تهذيب وهذا فى رأيى اعتقاد غير صائب ؛ فالطفل يتدرج فى اكتساب مقومات الذوق فى سلوكه، ولا يمكن القول بأن هذا الاكتساب فطرة وإنما يمكن وصفه بأنه تربية مقصودة غرضية غير عرضية ، ويتميز هذا النوع من التعليم الهادف بأن الطفل يتشربه بسهولة وبدون وعى كامل ؛ فإذا كان المحيط مرتقيا فى ذوقه ارتقى تذوقه ومن ثم فالبيئة تمثل عاملا مهما فى التكوين الذوقى لأبنائها.
فما أحوجنا إلى نشر هذه الثقافة فى مجتمعنا بين المتعلمين وبين العاملين فى مختلف مؤسسات الدولة ، فمن اكتسب قدرا كافيا من الذوق سعد بالنظام وارتقى به. ومن ثم فلا مناص إذا من تربية مقصودة للذوق واللياقة والأدب تتم فى المدرسة وخارجها حتى يشب المواطن محتميا بالجمال ومقدرا له ومحافظا عليه.
إن الاستجابة للجمال واستهجان القبح فى مواطن الحياة المختلفة يجعل الفرد مدركا لقيمة هذا الجمال فيرعاه وينشره ويعدى به غيره، فالإنسان الذواق إنسان نمت حواسه فأصبح يتفاعل معه ويجعله يتسابق لوضع لبنات تفيد غيره.
ويمثل أمامى الآن مقولة جون ديوى وهو يقول ” إن الخبرة الجمالية لا يمكن تمييزها تميزا حاسما عن الخبرة الذهنية ما دام من الضرورى أن تحمل كل خبرة ذهنية طابعا جماليا ؛ حتى تكون هى نفسها تامة مكتملة ” . فالمعلمون مسؤولون مسؤولية تامة عن تربية الذوق الجمالى لدى أبنائهم كل فى مجاله وتخصصه ، ومن خلال إثارة الجمال والإحساس به فى تفحص المادة الدراسية يجعل المادة تتحول من كونها مجرد مادة آلية جافة لا يتذوقها الدارس ينظر إليها ويتفاعل معها دون أن ينفعل بها وجدانه إلى مادة محفزة لخياله داعمة لوجدانه .
فما أحوجنا إلى نشر ثقافة التربية التذوقية فى مؤسساتنا بحيث يكون رسالتها الارتقاء بأذواق أفرادها وتشجيعهم على ممارسة عادات إيجابية تتحلى بالذوق والرقى بما يخلق مناخا مسايرا للمودة وبما يضمن لهم احترام من يتعاملون معهم فيعود النفع على الجميع. نسأل الله السداد والتوفيق والقبول وعلى الله التكلان .
بقلم أ.د على عبد المنعم حسين
أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المساعد بكلية التربية جامعة الزقازيق