في وقتٍ تعيش فيه غزة أسوأ فصول الإبادة والدمار، وتُرتكب المجازر على مرأى ومسمع من العالم، نجد بعض العواصم العربية تتسابق إلى خزائن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، تقدم له التريليونات، لا في سبيل السلام أو دعم القضايا العادلة، بل لإرضائه، وتأمين مواقع هشة في كراسي الحكم، بينما تنزف فلسطين.
ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض محملاً بنفس الخطاب المتغطرس والمعادي للمصالح العربية، لم يغير نهجه. هو نفسه الذي اعترف بالقدس عاصمةً للعدو، وأوقف المساعدات عن الفلسطينيين، وشرعن الاستيطان، واليوم يغض الطرف عن مجازر غزة، بل ويمنح الغطاء السياسي والدعم العسكري الكامل للاحتلال.
في خضم هذا المشهد القاتم، تبرز مصر بموقفها الصلب، الرافض للضغوط، والمتمسك بثوابت الأمة. لم تُرهِبها تهديدات ترامب، ولم تُغْرِها وعوده. بل قادت مصر مبادرات التهدئة، وفتحت معبر رفح للإغاثة، وأقامت مستشفيات ميدانية، وواجهت محاولات تركيع غزة سياسيًا وإنسانيًا. كانت القاهرة، ولا تزال، صوتًا عاقلًا ووازنًا في بحرٍ من التواطؤ والصمت.
وفي المقابل، ما نراه من بعض الدول لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الأخلاقية. كيف يمكن لحاكم عربي أن يضخ مئات المليارات في صفقات مع إدارة تقف ضد فلسطين وشعبها، بينما أطفال غزة يُقطع عليهم الماء والكهرباء والغذاء؟ كيف ينام مرتاح الضمير، بينما العالم يرى بأمّ عينه الجثث تُنتشل من تحت الركام؟
إن هذا الانحراف في البوصلة السياسية ليس فقط عارًا على من يمارسه، بل أيضًا خطر داهم على مستقبل الأمن القومي العربي. من يظن أن المال سيشتري الحماية، سيفاجَأ حين ينقلب عليه من استرضاهم.
وستبقى غزة، بصمودها، ومصر، بمواقفها، عنواني الشرف في زمن الانحناء.