كتب احمد عسله
في خطوة تكنولوجية بالغة الأهمية أعلنت وكالة “داربا” الأمريكية – وهي تابعة لوزارة الدفاع – عن نجاح تجربة رائدة لنقل الطاقة الكهربائية لمسافة طويلة بدون استخدام أي أسلاك أو كابلات، عبر تحويل الكهرباء إلى شعاع ليزر تم توجيهه لمسافة 8.6 كيلومتر، ثم استقباله وإعادة تحويله إلى كهرباء صالحة للاستخدام مرة أخرى.
تقنية تفتح آفاق المستقبل
هذه التجربة تُعد من أكثر التطورات اللافتة في مجال الطاقة، حيث قامت “داربا” بتحويل الكهرباء إلى شعاع ليزر عالي الكثافة أُرسل بدقة إلى مستقبل كهروضوئي شبيه بالخلايا الشمسية.
المستقبل يستقبل الشعاع، ويعيد تحويله إلى كهرباء يمكن استخدامها في تشغيل الأجهزة والمعدات دون الحاجة إلى وجود شبكة توزيع تقليدية.
ورغم وجود نسبة من فقدان الطاقة خلال النقل، إلا أن التجربة تُعتبر نقطة تحوّل علمية وتطبيقية، تفتح المجال لخيارات غير مسبوقة في إيصال الطاقة، خاصة في المناطق النائية أو الوعرة أو التي يصعب توصيل الكهرباء إليها بالطرق المعتادة.
اللا سلكي… في خدمة الحياة
الهدف الأساسي من تطوير هذه التقنية هو خدمة الوحدات العسكرية أو المناطق البعيدة التي يصعب إمدادها بالكهرباء، مثل الصحاري، أو الجزر النائية، أو المواقع الحدودية. لكن التطبيقات المدنية لا تقل أهمية، بل قد تكون أكثر تأثيرًا على المدى البعيد.
وفي حال تطور هذه التقنية، يمكن استخدامها في تغذية المناطق الريفية، والمزارع الصحراوية، ومشروعات الطاقة المتجددة، وحتى في دعم خدمات الطوارئ والإغاثة في أوقات الكوارث.
مصر في الصورة.. هل نستفيد؟
إذا نظرنا للتحديات الجغرافية والديموغرافية في مصر، سنجد أن هذه التقنية – رغم كونها حديثة العهد – قد تمثل نقلة استراتيجية:
في سيناء والصحراء الغربية: يمكن مدّ الطاقة لوحدات أمنية أو تجمعات سكنية دون الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية مكلفة ومعقدة.
في المناطق الزراعية الجديدة: قد يتم تشغيل المضخات وأجهزة الري بتكنولوجيا الطاقة اللاسلكية، دون الحاجة إلى توصيل الشبكة القومية.
في محطات الطاقة الشمسية: يمكن تحويل الكهرباء المنتجة في أماكن بعيدة إلى ليزر ونقلها إلى المدن دون فقدان الطاقة عبر الكابلات الطويلة.
تساؤلات مشروعة.. ومستقبل قيد التشكيل
هل يمكن لمصر أن تواكب هذا التطور وتدخل هذا السباق مبكرًا؟
هل لدينا جهات بحثية وعلمية قادرة على التعاون أو تطوير نموذج مشابه؟
وما هي التحديات المرتبطة بالسلامة، والكفاءة، وتكلفة التنفيذ في البيئة المحلية؟
كلها أسئلة تفرض نفسها بقوة، وتستحق أن تكون على طاولة صانع القرار، سواء في قطاع الكهرباء، أو البحث العلمي، أو حتى في وزارات الدفاع والتنمية المحلية.
خاتمة: من الخيال إلى الواقع
“كهرباء بلا أسلاك”.. كانت فيما مضى من أحلام الخيال العلمي.
اليوم، أصبحت واقعًا تجريبيًا.
وغدًا، قد تتحول إلى عماد أساسي في شبكات الطاقة المستقبلية.
والسؤال الآن: هل نستعد من الآن، أم ننتظر اللحظة التي يصبح فيها الركب قد سبقنا بمسافات؟