كتب احمد عسله
في تجربة رائدة وغير مسبوقة على مستوى العالم العربي تشهد مصر ميلاد مبادرة وطنية فريدة من نوعها تحت عنوان “التحول الرقمي في المساجد” وهي المبادرة التي أطلقتها الإعلامية د. رضا الكرداوي بالتعاون مع وزارة الأوقاف، لتضع البلاد في صدارة المشهد الحضاري الذي يجمع بين الإيمان والعلم، وبين عبق الماضي وعبقرية الحاضر.
لم يعد المسجد اليوم مجرد منارة للعبادة والخشوع، بل أصبح منارة للفكر والمعرفة وصناعة المستقبل. وفي إطار هذه الرؤية، تحوّل رواق المسجد إلى ورشة فكرية وعلمية تضيء عقول الأطفال والنشء بنور التقنية المسؤولة، وتمنحهم فرصة نادرة للانطلاق نحو العالم الرقمي من قلب بيت الله، حيث القيم والضمير والإبداع يسيرون جنبًا إلى جنب.
تكريم أول دفعة من رواد الذكاء الاصطناعي في المساجد
في مشهد مهيب يجمع بين الروح والعلم، احتفى مسجد عمر بن الخطاب بمنطقة شبرا بالقاهرة بتكريم الدفعة الأولى من طلاب مبادرة التحول الرقمي، بعد اجتيازهم للمستوى الأول في الذكاء الاصطناعي بامتياز على مدار ثلاثة أشهر متواصلة من التدريب والتطبيق العملي.
أكدت الأستاذة حنان فراج رئيس مجلس إدارة المسجد، أن هؤلاء الطلبة يمثلون نواة لجيل مختلف؛ جيل يجمع بين التقوى والوعي، بين الذكاء القيمي والذكاء الاصطناعي. وأضافت أن ما يحدث داخل المسجد اليوم هو إعلان حقيقي لولادة مفهوم جديد للمسجد، الذي لم يعد فقط مكانًا للعبادة، بل أصبح مركز إشعاع حضاري، يُربّي العقل كما يُهذّب الروح.
“المسجد المتجدد”فكرة تقودها امرأة برؤية عالمة
في حديثها لوسائل الإعلام، قالت د. رضا الكرداوي – مؤسسة المبادرة – إن هذا المشروع ينبع من رؤية فكرية متكاملة تستند إلى التراث العريق للحضارة الإسلامية وتستشرف في الوقت ذاته آفاق المستقبل الرقمي. وأضافت لقد كان علماؤنا في الطب والهندسة والفلك والرياضيات مؤسسي النهضة العلمية التي استفاد منها الغرب، واليوم نعيد إحياء هذه الروح ولكن بلغة العصر… لغة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
أوضحت د.رضا الكرداوى أن المبادرة تستهدف بالأساس تدريب الأطفال والشباب على استخدام التكنولوجيا بوعي وأخلاق، وتحويل المفاهيم الدينية والتربوية إلى مشروعات رقمية مبتكرة تُعبّر عن الإيمان بلغة الصور والفيديوهات والتطبيقات، وليس فقط بالكلمة أو الخطبة.
من الجيل ألفا… إلى الجيل المؤمن المبدع
تؤمن د. الكرداوي أن الجيل الجديد – الذي يُعرف بـ”جيل ألفا” – هو جيل رقمي بالفطرة وبدلًا من مقاومته أو الخوف من انغماسه في التقنية يجب توجيهها وتطويعها لخدمة القيم مشيرة إلى أن المبادرة وضعت منهجًا متكاملًا يُعلّم الأطفال مبادئ البرمجة والذكاء الاصطناعي وتصميم المحتوى الرقمي الهادف داخل بيئة المسجد، في جو من الانضباط والإيمان والانتماء.
كما شددت د. رضا الكرداوى على أن فكرة “المسجد المتجدد” لا تتعارض مع قدسيته بل تُضيف إليه بعدًا جديدًا، لأن الإسلام دين علم ومعرفة وإعمار، وكل تقدم يخدم الإنسان هو في جوهره عبادة إذا صلحت النية.
مصر تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ العلاقة بين الإيمان والعلم
بهذا الإنجاز تسطر مصر فصلًا جديدًا في العلاقة بين الروح والعقل، وتثبت أن المسجد يمكن أن يكون منطلقًا لثورة فكرية جديدة، لا تقل شأنًا عن ثورات العلم والصناعة، بل تتفوق عليها لأنها تُنبت عقلًا واعيًا وقلبًا نقيًا.
المبادرة ليست مجرد مشروع تدريبي، بل تحوّل ثقافي شامل يسعى لصناعة هوية رقمية مؤمنة، تُخرّج أجيالًا تعرف كيف تستخدم أدوات العصر لنشر النور لا الفوضى، ولصناعة الجمال لا التشويش.
وبين تكبيرات المصلين وإعجاب الحاضرين، خرج الأطفال المكرمون بعيون تلمع بالفخر، يحملون شهاداتهم في يد، وحلمهم في يد أخرى… حلم أن تكون التقنية وسيلة لبناء إنسانٍ أفضل، ووطنٍ أعظم.








