حسن الظن بالله وقصة الأعرابي مع رسول الله ﷺ
حسن الظن بالله من أعظم العبادات القلبية التي ترفع مقام العبد وتزيده إيمانًا وطمأنينة. فالله تعالى كريم، رؤوف بعباده، يفيض عليهم برحمته ويغمرهم بلطفه. وقد بيَّن لنا رسول الله ﷺ أهمية حسن الظن بالله في مواطن كثيرة، وكان هديه الشريف مليئًا بالمواقف التي تعلِّمنا هذا المعنى الجليل. ومن بين تلك المواقف المؤثرة قصة الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ وسأله عن أعماله ومصيره، فكان جوابه ﷺ مشجعًا ومبشرًا، يغرس في القلوب الأمل والرجاء في الله.
قصة الأعرابي مع النبي ﷺ
يروى أن رجلًا أعرابيًا جاء إلى رسول الله ﷺ وسأله:
“يا رسول الله، من يحاسب الناس يوم القيامة؟”
فقال النبي ﷺ: “الله.”
فقال الأعرابي: “بنفسه؟”
فقال ﷺ: “نعم.”
فابتسم الأعرابي وقال: “نجونا ورب الكعبة!”
وهذا المشهد يعبّر عن حسن ظن الأعرابي بالله، فقد علم أن الله أرحم بعباده من أن يظلمهم، وأنه سبحانه يعامل عباده باللطف والعفو والمغفرة، فكان يقينه برحمة الله سببًا في تفاؤله وسروره.
حسن الظن بالله في الإسلام
الإسلام يحث على حسن الظن بالله في كل الأحوال، خاصة عند الشدائد والابتلاءات، وعند اقتراب الأجل. فقد قال النبي ﷺ:
“لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.” (رواه مسلم)
وهذا الحديث يؤكد أن الإنسان يجب أن يلقى ربه وهو موقن برحمته، راجٍ لمغفرته، معتقدًا أن الله لن يضيّع أعماله الصالحة.
ثمرات حسن الظن بالله
1. الطمأنينة القلبية: فالمؤمن الذي يحسن الظن بالله يعيش في راحة نفسية، بعيدًا عن القلق والخوف.
2. التوكل واليقين: عندما يحسن العبد ظنه بربه، يكون أكثر اعتمادًا عليه وأشد يقينًا بقدرته.
3. النجاة والفوز بالجنة: فالله عند ظن عبده به، فمن ظن به خيرًا وجده، ومن ظن به غير ذلك فله ما ظن..
هناك قصة مشهورة عن أعرابي دخل المسجد وكان ينادي: “يا كريم!”، فردد النبي ﷺ وراءه: “يا كريم!”، وكرر الأعرابي النداء، فكرر النبي ﷺ الرد، حتى انتبه الأعرابي إلى وجود رسول الله ﷺ.
تفاصيل القصة
يروى أن أعرابيًا دخل مسجد النبي ﷺ ورفع يديه إلى السماء قائلًا: “يا كريم!”
فقال النبي ﷺ: “يا كريم!”
فظن الأعرابي أن أحدًا يسخر منه، فأعاد النداء: “يا كريم!”
فأعاد النبي ﷺ قوله: “يا كريم!”
فالتفت الأعرابي إلى النبي ﷺ وقال: “أتسخر بي يا رجل؟ فوالله لو قصدتك بكرمي لأتيتك، ولا سألتك لعطيتني!”
فقال له النبي ﷺ: “مهلًا يا أخا العرب، لست أسخر منك، بل أردد معك.”
ثم سأله النبي ﷺ عن حاله، فقال الأعرابي: “جئت أشكو إليك ظلمي وفقر حالي.”
فقال له النبي ﷺ: “أما علمت أن من توكل على الله كفاه، ومن استغنى بالله أغناه، ومن أكثر من ذكر الله ذكره الله؟”
ففرح الأعرابي وقال: “والله ما رأيت أكرم منك إلا الله!”
العبرة من القصة
هذه القصة، سواء صحت أم لا، تحمل معاني عظيمة في حسن الظن بالله، والتوكل عليه، واللجوء إليه بالدعاء، كما تبين لنا كرم أخلاق النبي ﷺ ورحمته بالناس، حيث لم ينهر الأعرابي أو يعاتبه، بل احتوى مشاعره ووجهه إلى الله بطريقة حكيمة.
قصتا الأعرابيين مع النبي ﷺ تعلمانا درسًا عظيمًا في حسن الظن بالله، وتغرسا في قلوبنا الأمل والتفاؤل، فالله سبحانه أرحم بعباده من أن يعذبهم بغير جرم، وهو الذي قال في الحديث القدسي:
“أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء.”
فلنحسن الظن بالله، ولنملأ قلوبنا رجاءً في رحمته، فهو الغفور الودود، الذي لا يخيب من طرق بابه، ولا يرد من لجأ إليه.
نسأل الله أن يجعلنا من عباده المتوكلين عليه، الموقنين برحمته وكرمه، وأن يرزقنا حسن الظن به في كل أحوالنا.