حين يعلو صوت الحق فوق ضجيج الشائعات… وحين تصدر الحقيقة بيانها الأخير يسقط الزيف ويستقيم الميزان… خرج الدكتور جمال عنان عميد كلية العلوم بجامعة الزقازيق عن صمته لا مدافعًا عن نفسه بل حارسا على شرف الحقيقة التي حاولت الأقلام المأجورة اغتيالها ووقف شامخًا فوق ركام الأكاذيب ليقول: “استقيموا… يرحمكم الله”.
بيان الدكتور جمال عنان بعد تبرئته في قضية “روان ناصر”
كتبه: أحمد عسله
في لحظة اختلط فيها الألم بالإصرار واختلطت فيها مشاعر الترقب بنداء العدالة تنفس الدكتور جمال عنان عميد كلية العلوم بجامعة الزقازيق الصعداء بعد أن قالت النيابة العامة كلمتها الحاسمة: لا شبهة جنائية، ولا مسؤولية قانونية على أي طرف داخل الكلية في واقعة وفاة الطالبة روان ناصر.
لم يكن خروج الدكتور عنان عن صمته العلني مجرد منشور عابر على صفحته الرسمية بل كان بمثابة نداء وطني، وصرخة أكاديمية، ورسالة إنسانية، أراد بها إعادة الأمور إلى نصابها، واستعادة كرامة شوهتها الشائعات ووأد الفتنة التي كادت أن تلتهم سمعة المؤسسة الجامعية العريقة التي يمثلها.
كتب الدكتور عنان على صفحته الرسمية بمنصة “فيسبوك” منشورًا حمل بين سطوره كلمات قليلة، لكنها تشبه الرصاص في دقتها، والبلسم في وقعها، قال فيها:
> “بسم الله الرحمن الرحيم
ببالغ السعادة تلقيت بيان النيابة بشأن التحقيقات في حادث مقتل الطالبة روان ناصر إثر سقوطها من أعلى مبنى بكلية العلوم – جامعة الزقازيق.
فعلى الجميع تحري الحقيقة والدقة في النشر، وعدم الانقياد خلف الشائعات.
والله الموفق والمستعان،
والشكر للنيابة لما تفعله لإجلاء الحقيقة والدفاع عن حقوق المواطنين أيًّا كان موقعهم.
استقيموا يرحمكم الله.”
ثم اختتم منشوره بآية قرآنية عميقة الدلالة، موجعة لكل من تورط في ترويج الزيف:
> “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”
وأضاف تعليقًا مؤثرًا:
“الحق بيظهر مهما طال الزمن والباطل عمره ما بيصمد قدّامه.”
هذه الكلمات لم تكن فقط تعبيرا عن الارتياح الشخصي بل صرخة وعي للمجتمع بأكمله الذي أصبح فيه النشر أسهل من التفكير والتشهير أسرع من التروي والاتهام أسهل من السؤال.
الدكتور عنان الذي ظل طوال فترة التحقيقات يلتزم الصمت احتراما للقانون وثقةً في القضاء، وجد نفسه – كما كثيرون غيره – ضحية لآلة اغتيال معنوي لا ترحم. صفحات صفراء وتدوينات مسمومة و”بوستات” تتناقلها الألسن كأنها حقائق مطلقة دون أدنى تحقق أو رجوع إلى مصدر مسؤول.
النيابة العامة – مشكورة – قامت بواجبها بشفافية ونزاهة.راجعت التسجيلات استمعت للشهود دققت في التفاصيل، وقالت كلمتها: “لا شبهة جنائية والوفاة نتيجة انتحار والضحية كانت تمر بحالة نفسية حرجة.”
لكن من يعيد للدكتور جمال عنان – ولزملائه بالكلية – ما فقدوه من راحة البال؟
من يعوّض اسرته عن كل ليلة سهرت فيها باكية وهي تقرأ الشتائم في حق رب الأسرة؟
من يضمد جراح طالباته وطلابه الذين فقدوا الثقة فجأة في مدرسهم وعميدهم؟
من يُعيد للناس عقلهم قبل أصابعهم وهي تضغط زر “مشاركة”؟
اليوم وبعد هذا البيان أصبح على كل شخص شريف أن يعيد النظر فيما كتبه أو شاركه أو صدّقه.
لقد قالت النيابة كلمتها… وبقي أن نقول نحن كلمتنا:
“آسفين يا دكتور جمال لقد ظلمناك”.
إن بيان الدكتور عنان ليس مجرد رد فعل بل وثيقة أخلاقية تضع الجميع أمام مرآة الضمير وتطالب بإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة، بين الإعلام والحقيقة بين الرأي العام والمعلومة الصحيحة.
لقد اختتم رسالته بكلمة:
“استقيموا… يرحمكم الله”
وكأنه يقول لنا جميعًا: لا تستقيم الحياة بلا عدالة… ولا تنهض الأوطان بقلوب مريضة وعقول مستعجلة.
