في مشهدٍ تختلط فيه رمزية العلم بثقل المال وتتنازع فيه القيم العائلية مع أطماع الورثة تخرج إلى النور واحدة من أغرب القضايا التي شهدتها أوساط التعليم الراقي في مصر. إنها حكاية الدكتورة نوال الدجوي المعروفة بلقب “ماما نوال”رائدة التعليم الخاص وسيدة الإنجازات التربوية التي تحوّلت فجأة من رمز أكاديمي شامخ إلى عنوان مثير في صفحات الحوادث بعد أنباء عن سرقة ثروتها الضخمة من داخل فيلتها بمدينة 6 أكتوبر وبينما تتداول وسائل الإعلام الأرقام المذهلة للمسروقات تتكشف في الخلفية خيوط متشابكة من خلافات عائلية وغموض مريب، وتحقيقات لم تبدأ إلا بعد شهور من وقوع الواقعة.
نوال الدجوي ليست اسما عابرا في قطاع التعليم المصري بل هي واحدة من أبرز السيدات اللاتي رسمن ملامح التعليم الخاص الحديث في مصر.بدأت مسيرتها عام 1958 وأسست أول مدرسة لغات مصرية خاصة وهي في الحادية والعشرين من عمرها متحدية سطوة المدارس الأجنبية آنذاك. توسعت إمبراطوريتها التعليمية لتضم مدارس دار التربية ثم تُوّجت بصرح أكاديمي هو جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب (MSA) ذات السمعة الدولية بفضل شراكاتها مع جامعات أجنبية مثل جامعة جرينتش البريطانية التي منحتها الدكتوراه الفخرية.
عرفها طلابها بلقب “ماما نوال” وكرّمها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2019 ضمن نماذج نسائية ملهمة تركت بصمات في المجتمع المصري خصوصاً في مجال تطوير التعليم.
لكن هذا الاسم البراق دخل فجأة نفقاً من الضجيج بعدما تقدم أحد أفراد الأسرة ببلاغ للنيابة العامة يفيد بتعرض فيلا “ماما نوال” للسرقة. المبالغ المعلنة في البلاغ صادمة
50 مليون جنيه مصري
3 ملايين دولار أمريكي
350 ألف جنيه إسترليني
15 كيلوغراماً من المشغولات الذهبية
البلاغ تم تقديمه بعد شهور من وقوع الحادث مما أثار الكثير من علامات الاستفهام خصوصاً أن الفيلا محل الواقعة لم تكن مقر الإقامة الدائم للدكتورة نوال بل كانت تزورها على فترات بسبب حالتها الصحية وصعوبة التنقل.
التحريات كشفت أن الواقعة قد لا تكون سرقة تقليدية كما يبدو بل جاءت نتيجة خلافات عائلية حادة على الميراث خاصة بعد وفاة ابنتها الدكتورة منى. وتُشير مصادر مطلعة إلى أن الاستيلاء على الأموال والذهب تم بعد الوفاة بأيام قليلة وأن هناك صراعا مكتوما بين الجدة والحفيد حول توزيع الثروة.
الغريب أن الجهات الأمنية لم تُخطر فور حدوث الواقعة بل جاء البلاغ بعد مرور شهور مما زاد المشهد غموضا وأشعل التكهنات قبل أن تبدأ النيابة في التحقيق وتكثّف أجهزة الأمن جهودها لتحديد هوية مرتكب الواقعة ما إذا كانت سرقة منظمة أم تصفية حسابات أسرية مغطاة بالبلاغات الرسمية.
هكذا يتحوّل منزل رمز تعليمي كبير إلى ساحة اشتباك بين الميراث والصراعات العائلية والأموال الطائلة التي كانت تُخزن داخل جدران من الثقة العائلية.وبينما تتقدم التحقيقات ببطء تبقى التساؤلات قائمة
هل وقعت السرقة فعلاً أم أنها “مناورة قانونية” داخل حرب تركة؟
هل كانت نوال الدجوي ضحية أطماع من داخل أسرتها أم من خارجها؟
وهل ستتدخل الدولة لحماية الرموز الأكاديمية التي صنعت مجد التعليم المصري الحديث من السقوط في متاهات المال والنفوذ العائلي؟
قضية “ماما نوال” ليست فقط عن الذهب والدولار بل عن هشاشة الحصون حين تكون بلا حراس حتى لو كانت محاطة بأبناء وأحفاد.