في زحام الحياة الباردة، التقيا صدفة…
هو “سليم” الشاب الخجول الذي يعمل مهندسًا في شركة مقاولات، وهي “ليلى” الصحفية الجريئة، الباحثة عن الحقيقة والجمال في كل شيء.
كان لقاءهما الأول على رصيف محطة القطار، حين وقعت حقيبتها الممتلئة بالأوراق، وهبّ هو يلتقطها دون أن ينطق بكلمة.
من تلك اللحظة، بدأت الحكاية…
أحاديث خفيفة تحولت إلى مواعيد يومية.
نظرات خجولة تحولت إلى حب واضح لا يحتاج إلى اعتراف.
لم يكن سليم فصيحًا في التعبير، لكن حنانه كان يسبق كلماته.
ولم تكن ليلى بحاجة إلى الوعود، كانت تثق به وكفى.
مرّت سنتان على حبهما، وفي ليلة دافئة تحت سماء القاهرة، جلسا فوق سطح أحد المنازل القديمة يتأملان النجوم.
قالت ليلى، وهي تبتسم:
– “عارف يا سليم، أنا ما بخافش من حاجة… إلا من فراقك”.
ردّ بهدوء:
– “وأنا بخاف من يوم ما أقدرش أكون معاكِ فيه”.
لكن الحياة كانت تخبئ لهما اختبارًا لم يكن في الحسبان…
ذات يوم، اكتشف سليم أنه مصاب بمرض في القلب، حالة نادرة وخطيرة، تتطلب جراحة معقّدة بالخارج، لا يملك تكلفتها.
رفض أن يخبر ليلى، كان يؤمن أن الحب لا يجب أن يكون عبئًا، بل راحة.
فقرر أن يبتعد… فجأة، دون تفسير.
أرسل لها رسالة قصيرة:
> “سامحيني يا ليلى… يمكن نكون كنا بنحلم بحاجة أكبر منّا. خليكِ قوية، ومتخليش قلبي الضعيف يعطلك عن الحياة اللي تستاهليها.”
انقطعت أخباره، حاولت البحث عنه بكل الطرق، بلا جدوى.
مرت الشهور، وذات صباح، استيقظت ليلى على اتصال من رقم غريب.
كان صوت رجل يخبرها:
– “أنا طبيب في مستشفى بباريس… سليم طلب مني أتواصل معاكي بعد العملية.”
ارتعش صوتها:
– “عملية؟! سليم فين؟ حي؟!”
أجاب الطبيب:
– “العملية نجحت، لكن قبل ما يدخل غرفة العمليات، سلّم لي ظرف وقال لي: لو خرجت، ارميه… ولو ما خرجتش، ادّيه لليلى.”
في المساء، وصلها الظرف، بخطّ سليم:
> “كنت عايزك تفتكريني إنسان حبّك بصدق… بس ما كانش عندي غير قلبي، وكان مكسور.
قررت أختفي، علشان تبقي قوية… علشان ما تتعلقيش بحاجة يمكن تموت بين إيديكي.
لو رجعت، هرجع أدوّر عليكي من أول شارع، من أول رصيف محطة القطار…”
مرت ثلاث سنوات.
نجا سليم، وتعافى، وبدأ يبحث عنها…
لكنه حين وجدها، كانت قد ارتبطت بشخص آخر، وإن ظلت صورتُه في عينيها تحمل حنينًا قديمًا لا يموت.
وفي يوم زفافها، وقف في الظل، بعيدًا عن الأضواء، يراقبها تبتسم، وقلبه يهمس:
“ضحيت بحبنا علشانها… وهعيش العمر سعيد إنها بخير.”