في حياة كل مجتمع هناك شخصيات تترك أثرًا لا يُمحى وأسماء تبقى خالدة في ذاكرة الناس بما قدمته من عطاء وإنجازات ومن بين هؤلاء القادة العظام يبرز اسم معالي مساعد أول وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد بك رضا طبلية ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد مسؤول أمني يؤدي وظيفته بل كان نموذجًا فريدًا للقيادة الحكيمة والموقف الإنساني والقرار العادل.
اليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاده لا يسعنا إلا أن نستعيد سيرته العطرة ونسترجع مواقفه النبيلة التي جعلته ليس فقط رجل أمن ناجحا بل رمزًا للإنسانية الحقيقية في جهاز الشرطة كان مديرًا لأمن الشرقية لكنه لم يكن مجرد قائد أمني تقليدي بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى يضع العدل والرحمة في قلب قراراته ويؤمن بأن القوة الحقيقية ليست في فرض السيطرة بل في كسب ثقة الناس واحترامهم.
حين تكون السلطة أداة للعدالة لا للقهر.
لم يكن محمد بك طبلية مجرد مسؤول يتبع القوانين بحذافيرها دون روح بل كان يؤمن بأن العدل لا يقتصر على تطبيق القانون فقط بل على فهم ظروف الناس والتعامل معها بحكمة وإنسانية. وكم من مرة أثبت أنه الأقرب إلى الضعفاء والأسرع في نجدتهم والأكثر تفهمًا لظروفهم.
ومن بين تلك المواقف التي لن أنساها ما حييت تلك الواقعة التي جمعتني به لأول مرة والتي عكست بكل وضوح معدن هذا الرجل الأصيل.
واقعة خفراء غزالة.. حين ترك فرح ابنه ليحقق العدالة
كانت الواقعة تتعلق بعدد من الخفراء في قرية غزالة والذين تم احتجازهم على خلفية واقعة سرقة مكتب البريد بالقرية. حينها كان هناك تخوف من أن يتم تحميلهم مسؤولية شيء لم يرتكبوه فقط لأنهم الحلقة الأضعف ووقتها شعرت بأنني لا يمكن أن أقف متفرجًا.
اتصلت على الفور بمعالى اللواء محمد بك طبلية، الذي كان يشغل منصب مدير أمن الشرقية آنذاك لكن المصادفة أن تلك الليلة كانت ليلة فرح نجله! تخيلوا الموقف، رجل وسط فرحة عائلية، والتهاني تحيط به من كل مكان، ولكن بمجرد أن أرسلت له رسالة واتصلت بمعاليه بشأن الأمر اذا به يخرج من الفرح ليرد عليا ..
كانت كلماته الأولى لي مليئة بالمودة لكن لا أنسى نبرة المفاجأة في صوته عندما قال لي: “يعني أول تعارف بينا تطلعني من فرح ابني علشان أرد عليك؟” فأجبته ممازحا: “معلش يا باشا، الخفراء دول غلابة، لا حول لهم ولا قوة، طلعهم علشان يعيدوا وسط أهاليهم، ولو حضرتك حابب تحقق معاهم، يبقوا ييجوا لمعاليك بعد العيد، ما همّا على قوة معاليك، هيروحوا فين يعنى !”.
فضحك الرجل الجميل المحترم من قلبه لكنه لم يتجاهل طلبي، ولم يؤجل الأمر، بل اتخذ قراره في التو واللحظة، وأمر بالإفراج عنهم على الفور، حتى لا يقضوا العيد خلف القضبان ظلمًا.
ذلك الموقف كان كافيا لأدرك أنني أمام رجل من طراز خاص رجل يفهم أن العدل ليس في الحبس بلا أدلة وأن الرحمة جزء لا يتجزأ من مسؤولية أي قائد.
إنسانية لا تتجزأ.. ومواقف محفورة في الذاكرة
لم يكن ذلك الموقف الوحيد الذي كشف عن شخصية اللواء محمد بك طبلية، بل كانت مجرد لمحة من مسيرة حافلة بالإنجازات والمواقف المشرفة. فقد كان رجلًا قريبًا من الناس، لا يتوانى عن تلبية النداء، ولا يتردد في التدخل لنصرة المظلوم. كان مكتبه مفتوحًا للجميع، وكانت قراراته دائمًا تميل للعدل، دون تعسف أو استبداد الاجمل ان معاليه كان كاريزما ومهاب بصورة لافتة للنظر..
لم يكن مجرد رجل شرطة ينفذ القوانين بجمود بل كان قائدًا يفهم أن العدل يحتاج إلى بصيرة، وأن الأمن الحقيقي لا يُبنى بالخوف، بل بالثقة والاحترام المتبادل بين رجل الأمن والمواطن.
تحية احترام ووفاء لرجل لن ننساه
اليوم، ونحن نحتفل بعيد ميلاد معالي اللواء محمد بك رضا طبلية، لا يسعنا إلا أن نقدم له أسمى آيات الشكر والتقدير، على كل ما قدمه، وعلى كل موقف نبيل سجله في سجل حياته العامرة بالعطاء.
كل عام وأنت بخير، يا صاحب القلب الكبير، والرؤية الثاقبة، والعدل الذي نفتقده في كثير من المسؤولين اليوم. ستظل في قلوبنا قائدًا وإنسانًا، ورجلًا بحجم وطن.